كثيرٌ منّا حين يضيق به المعاش أو يعكّر عليه أحدهم مزاجه، لا يستطيع التعايش مع ذلك. وهذا مع ما فيه من الصبيانيّة، إلا أنه مشاهَد محسوس في حياتنا نحن الكبار.

وبما أن واقعنا الجديد لا يُريح؛ نلجأ إلى واقع آخر، واقع ننسحب فيه من دائرة الفاعلين إلى دائرة المشاهدين. لكني لست هنا لأقلّب عليك أوجاعك أو لأذكرك بمسئولياتك؛ بل لأذكّرك أننا كائنات حالِمة بالأساس! 

نعم يا صديقي، فالبشريّ منّا حين تضعه أمه، لا يستطيع العيش دون أن ينتقل عن وعيِنا إلى وعيِه الخاص (النوم والأحلام) لمدة قد تصل إلى ثمانية عشر ساعة. وتتناقص هذه الساعات مع كبره في العمر، لتصل إلى ما يعادل ثلث أعمارنا كبالغين. 

لكن ما علاقة النوم بالسينما؟ يمكننا المقاربة بين النوم والسينما من جهات عديدة أهمها: اشتراكهما في نقل الإنسان إلى بلاد الواق واق أو غيرها من البقاع الأرضيّة أو السماويّة، دون أن يحرّك ساكنًا. كذلك التداخل اللامعقول بين الأحداث، والذي يجعلنا نتمسك بأحلامنا وأفلامنا أكثر وأكثر، حتى نتنمنى ألا نستيقظ من النوم وألا ينتهي الفيلم أبدا. 

ومن زاوية أخرى يمكننا اعتبار أفلام المغامرات وحالة النوم، كالوجهين لعُمْلة واحدة، تلك العُمْلة هي الخيال. الخيال الذي يُشعرنا ونحن فيه أننا نشارك البطل انتصاراته ونُقبّل حسنائه وتتهافت علينا معه الأموال، ثمًّ ما إن أُسدِل الستار أو انكشف عنّا الغطاء، نتبيّن أن انتصاراتنا كانت زائفة، وأن الواقع هو الحاكم، وأننا عن أهدافنا جِدُّ بعيدون.

 ومع ذلك، فالتعامل الحكيم مع السينما وأفلامها، بداية من انتقائها إلى كتابة انعكاسها علينا، كثيرًا ما يغيّر حياة الأفراد أو على الأقل يمنحهم متنفّسًا جديدًا لترتيب الأوراق واستعادة القوة في مواجهة كبد الحياة. 

أتمنى أن نغيّرنظرتنا للأفلام قبل أن يصدق فينا قول إريك فروم: " إن جرعة مكثفة من خيبة الأمل سوف تقنعهم بأنهم كانوا مخطئين، وسوف توصلهم بعد ذلك إلى الإحباط لأنهم لن يجدوا ما يؤمنون به بعد ذلك". إلى ذلك الحين، ما مدى اتفاقك مع المقولة التالية: " الخيال جُنّة وماهية الحياة ومكمن الإبداع لا محال، فبالخيال نُشفى لأن الحقيقة مرض وعسى الخيال جَنة الدنيا"؟