الشخصية الدرامية... ما بين النفور والإحلالية

أعتقد أن العامل الاكبر في كسب تعاطف الجمهور هو نفورهم هو مدى إحساسهم بأن هذه الشخصية تشبههم أو أنها قريبة منهم وتعيش حياة قريبة من حياتهم، حينها يبدأ الجمهور بالشعور بأنهم قد يصبحوا في مكان هذا الشخص يوما ما فيقومون بالتعاطف مع الشخصية والإتصال بها بشكل لا واعي.

نجد العديد من الأعمال التي تنزع البعد الإنساني من الشخصيات، فعندما يحاول الكاتب أن يبرز شجاعة البطل نجد أن الشخصية تشبه الألة فهي لا تشعر بالخوف أو التوتر من أي شيء وهذا بالطبع ليس واقعيا أبدا، فنحن في النهاية بشر، وهذا ما حدث مع فيلم الممر الذي يتناول قصة مجموعة من الجنود في مهمة، حيث كانت الشخصيات تقريبا لا تشعر بأي شيء، لا قلق أو توتر أو خوف، لا شيء على الإطلاق، وقد قال النقاد عن الفيلم أنه نزع البعد الإنساني تماما من الشخصيات، وبالطبع شعر الناس أنهم أمام قصة خيالية وليس عمل درامي، وأنهم أمام أبطال خارقين أشبه بالألات وليس بشر يمكننا أن نتعاطف معهم

لم أنتبه لهذا الأمر قبلا، فكرة أن يكون التعلق ناتجا عن اهتمام الكاتب بإبراز أبعاد الشخصية الثلاث!

دائما ما كنت أعتقد أن التعلق ناتج عن كون الشخصية تلمسني من وجهة معينة ( أي أنه هناك عامل مشترك بيني وبينها )!

أعتقد أن روايات أجاثا كريستي تتمتع بهذه الميزة، أيضاً رواية في قلبي أنثى عبرية.

رواية الحرب والسلم لتولستوي من أفضل النماذج التي يمكن تقديمها في مجال تجسيد الشخصيات ببراعة، والشيء الجميل فيها هو أنها لم تجسد شخصية واحدة فقط، بل عرضت مجموعة من الشخصيات من خلفيات اجتماعية مختلفة وجعلتها تخوض أحداث وقضايا ذات قيمة انسانية مهمة مثل الموت وتحديات الشباب والزواج والسلم وفترات الحروب الصعبة.

تجسيد الكاتب للشخصيات بطريقة مثالية يجبر القارئ على الارتباط عاطفيا بها و يدفعهم للتعاطف مع تصرفاتهم و قاراراتهم مهما كانت.

لم ألمس مشاعر مشابهة مع كتابات أسماء أقل من تولستوي ودوستويفسكي وبقية الأسماء الكبيرة، ولهذا فأنا أعتقد بأن هذا المستوى من الكتابة لا يصله إلاّ الكتاب المبدعون، وهو ما يمكن أن نفرق به بين كاتب عظيم وكاتب عادي.

بالفعل هذه هي الأبعاد التي درستها حين تخصصت في الأدب، ولفتني مثال الذي أعطيته بخصوص رواية يعقوبيان، لأنني وللآن أظن أن كثرة الشخصيات في الرواية، من الممكن أن تجعل القارئ يتشتت، من واقع معاينتك للكتاب، كيف فرضت كل شخصية مكانتها في قرائتك، ولو على تعددها وكثرتها؟

كلما كانت الشخصية الدرامية أقرب إلى الواقع و حقيقة المشاهد شكل ذلك نجاحًا لصالح العمل الدرامى و الشخصية الدرامية بالطبع .

أقرب الأعمال إلى قلبي كان رواية شيفرة بلال التي تحاكى الجانب الإنساني بالدرجة الأولى و تركز على البعد الاجتماعي أيضًا و على الأفكار الطفولية جمعت بين مرحلة الشباب و الطفولة و استعرضت من خلالها قصة بلال بن رباح ابدع الكاتب في إيصال الفكرة بفكرة رائعة

من بين الأعمال الفنية التي رأيتها ووجدت هذه الأبعاد متوفرة في شخصياتها

في الأنمي هجوم على العمالقة :attack on titan

في الأفلام breaking bad

كتاب أسباب للبقاء حيًا من أفضل النماذج التي قرأتها بهذا الخصوص حيث يجسد الكاتب فيه قصته و حوار متبادل بين ذاته المريضة و السليمة بعد أن نجا من مرضه .

الشخصية الدرامية الجيدة هي التي تجعلنا نعيش الأحداث كما لو أننا نعيشها فعلا و تخاطب العقول و القلوب، لا تنجح جميع الشخصيات في ذلك

أحب الدراما لكنني ابدا لم انتبه لهذه الابعاد وكيف حتى نتعلق بالشخصية

شكرا على هذه المساهمة

بالنسبة إلي فإن البناء التاريخي للشخصية الذي يجمع بين الأبعاد الثلاثة أيضا هو الذي يمنحها الحياة، ويجعل منها شخصية حقيقية تمتلك من الحب أو النفور ما تمتلكه من القرب من الواقعية، حتى نشعر بأننا أوشكنا على لمسها بكل ما نمتلكه من مشاعر. السياق الحياتي السابق للشخصية، والتاريخ المحدد لها في إطار ما خططه الكاتب قبل بدء قصته من العوامل التي تحدد واقعية القصة، حيث أن تطور الشخصية يبدأ من حياتها قبل بدء القصة من الأساس، والقصة نفسها ما هي إلا إحدى المراحل التطورية العاطفية والنفسية للشخصية.

ليس بالروايات فقط، بل الأعمال درامية أيضًا، كلما برع كاتب السيناريو في رسم الشخصية، جعلنا نرتبط بها كثيرًا، وجعل من السهل على الممثل ابراز الشخصية لأنه فهمها.

من أروع الأمثلة التي أتذكر تأثيري الشديد بها، هي شخصية والتر وايت في مسلسل breaking bad، وشخصية الملكة سيرسي في مسلسل game of thrones، وشخصية راغنر في مسلسل فايكنج.

الذي يجمع بين كل الشخصيات هو وضوح كل شخصية وغموضها في نفس الوقت، ولم يفعلوا أي تصرف لا يمكن تفسير سبب حدوثه أو قيامهم بهذا التصرف، وهذا يرجع إلى الرسم الدقيق لشخصياتهم وأغراضهم وطريقة تفكيرهم.