اللحظات التي تسبق النوم ليست مجرد انتقال جسدي إلى حالة راحة، بل هي منطقة عبور ذهني، يتسلل فيها كل ما أخفيناه طوال اليوم. إنها اللحظة التي نكون فيها وحيدين تمامًا، حتى وإن كنا في بيت مزدحم. العقل ينسحب من تفاعلاته الخارجية، ويبدأ بمراجعة ما حدث وما لم يحدث، من ندم صامت، أو رغبة مؤجلة، أو فكرة كان يجب أن تُقال ولم تُقَل.
العجيب أن أغلب التحولات النفسية الكبرى لا تحدث في لحظة إنجاز، بل في هذا الفراغ الذي يسبق النوم. هناك تتكثف المشاعر، وتنبثق الأسئلة: لماذا قلت ذلك؟ لماذا سكت؟ هل أنا سعيد؟ هل أنا على الطريق الصحيح؟
قد وجدت دراسات علم الأعصاب أن ما نُفكر فيه قبل النوم لا يذهب سدى. إذ تبيّن أن الدماغ، خلال المرحلة الأولى من النوم (N1 وN2)، يستمر في معالجة المعلومات التي كنا نركز عليها قبيل الإغلاق. تُعرف هذه الظاهرة باسم "إعادة التفعيل التلقائية" (Spontaneous Reactivation)، حيث يُعيد المخ تشغيل المشاهد والحوارات والقرارات التي مررنا بها، ليسجلها أو يعيد ترتيبها في الذاكرة طويلة الأمد.
الدماغ في هذه اللحظات يُفرغ ما علق به من اليوم كله، وغالبًا ما نعيد عيش مواقف بكامل تفاصيلها، ليس لنفهمها، بل لنشعر بها مجددًا. أحيانًا نكتشف أننا لم نغضب فعلًا وقت الحدث، بل غَضِبنا لاحقًا ونحن ممددون نُحدّق في السقف. أو لم نُحب كما ظننا، بل تعلّقنا فقط. أو أننا لسنا مرهقين من العمل، بل من الصمت الذي نفرضه على أنفسنا كل يوم.
لحظات ما قبل النوم تشبه مرآةً دقيقةً تُظهر وجوهنا الحقيقية بعد أن تُغلق الإضاءة المسرحية. ولهذا، لا ينام بعض الناس سريعًا، ليس لأنهم مصابون بالأرق، بل لأنهم أخيرًا صاروا صادقين مع أنفسهم.
من رأيكم، ما الذي تفعله بنا اللحظات الأخيرة قبل النوم؟
التعليقات