كنت أُحِب استبدال كلمة "يفضَّل" في العنوان بكلمتي "من الضروريِّ"، لكن كما تعرفون أن النفور الإنسانيّ كثيراً ما ينجم عن الالزامات والينبغيّات التي لا تَلْزَمُ ولا تنبغي، لكني حتى وإن استخدمتها معكم في ثنايا كلامي، فهي على سبيل المبالعة لا الحقيقة، فلا لوازم هنا.

بدايةً دعونا نضع تعريفاً للطعام غير الصحيِّ؛ حتى يتسنى لنا العزف على نفس النغمة. فأنا أرى أنه كلُّ طعامٍ اعتمد تكوينه على السكر المكرر والزيوت المصنّعة؛ لإضفاء أكبر قدر ممكن من الإثارة الحسيّة على حاسة التذوق البشريّة، دون مراعاة للعناصر الغذائيّة الأساسية والهامّة (فماذا عنكم؟).

من تعريفي سينتج العديد والعديد من الأصناف التي تملء شوارعنا ودكاكيننا، وبيوت بعضنا للأسف. لكن مع هذا يرى الكثير من خبراء التغذية ضرورة تضمين هذه الأطعمة إلى أنظمتنا الغذائيّة، فلماذا يا تُرى؟

البيئة وتأثيرها على قوة إرادتنا:

كما هو معلوم أن أصناف الطعام غير الصحي تملأ بيئاتنا ومجتمعاتنا؛ لذلك أصبح من الصعب اليوم علينا نحن الأفراد داخل هذه البيئات، التملُّص من سطوة تلك الأصناف على أفكارنا ورغباتنا؛ بل بات بعض هذه الأصناف (مثل الشوكولاته مثلاً) دواءً لتغيرات مزاج البعض منّا. وعليه؛ كيف يعقل أن نُحرِّمها على أنفسنا اليوم، بعد رسوخها في أدمغتنا كتعريفٍ للشيء/الطعام الحُلو؟ ألم يمنحنا الكبار في طفولتنا تعريفاً لهذه الأصناف بأنها المكافئاتُ، وأنها أفضل ما يمكنهم مُهاداتُنا به؟

يخبرنا مارك مانسون -في كتابه فن اللامبالاة- أن السر الصغير لتغيير عاداتنا هو أن بيئتنا لها تأثير أكبر بكثير من قوة الإرادة الخاصة بنا؛ فنحن مخلوقات ضعيفة، ننسحب بسهولة، ولا ندرك تمامًا طريقة تفكيرنا، وكثيرًا ما تستعبدنا أهوَاؤُنا.

المثاليّة كمرض:

أسمع البعض يقول: لكننا لا ينبغي أن ننسحق للواقع وندعه يشكِّل قناعاتنا، وعلينا المقاومة. وأنا أدعمهم جداً، لكنَّ هذا الطرح مناسب لعالم الأفكار، أمّا عالم الواقع فلا يُناسبه هذا الطرح أبداً لما ذكرت في المقدمة، ولأسباب كثيرة تختلف باختلاف الأشخاص. لكنَّا إذا أمعنّا النظر إلى هذا الطرح سنجده مرتكزاً على داء عصريٍّ خطير، هو المثاليّة. المثاليّة؟! أليست تلك الكلمة التي نستخدمها للتعبير عن بلوغ الأشياء/الأشخاص حدّاً بالغ الجمال؟ نعم هي؛ لكنَّ الواقع اليوم -في العصر الاستهلاكيِّ الحديث- لم يعد قادراً على الوفاء لهذه الكلمة بمضامينها؛ لذا أصبحت كلمة سلبيّةً بعد أن كانت إيجابيّة. وبمثال بسيط، إذا ذهبنا إلى المعجم الإنجليزيّ نُفَتِشُ عن مرادفٍ لكلمة المثاليّة في قواميسها، سنجده الكلمة (perfectionism)، وكما هو معلوم لدارسي الجذور اللاتينيّة (طلبة المجالات الطبيّة المتنوعة) أن اللاحقة –ism"" تُستخدم في نهاية الكلمات للدلالة على مفارقة السواء، أو لتعريف أمراضٍ بعينها.

إذاً ما هو الحل؟

أرى أنَّ التصالح مع الواقع، وتضمين بعض هذه الأصناف إلى أنظمتنا الغذائيّة على سبيل التماهي مع الواقع لا الانسحاق له، والعمل على تنشئة الجيل الجديد -الذي لم يمتلك بعد تعريفاً للشيء الحلو- على الطعام الصحيِّ لا غير، هو أفضل حل يمكننا طرحه. لكنَّ الأهم، أن تخبروني ما تعتقدون.