مرت المقولة عنوان المساهمة على أذني أثناء انتظاري في طابور حكوميّ، ولم أستطع التبيّن هل كانت جزءًا من نقاش، أم مجرد تعبير فرديّ عن الانتصار. وكما تعودنا في المساهمات السابقة أن نحلل الواقع ونتبين الدوافع والدلالات دون إعطاء نصائح مجردة؛ دعونا نلقي نظرة على بعض الأسباب التي أدت لكون هذه المقولة تعبيرًا عن الوضع الراهن -خصوصًا في مجتمعي- من استغْناء الغالبيّة عن الكِمامَات، وتفاخُرهم بذلك.

أخبروني كيف كان شعوركم حين أُجبِر بعضنا في الصغر على تناول طعام ما أو ارتداء الملابس بطريقة معينة، ألم يكن بداخلكم ذلك الكره الشديد للواقع، والرغبة الجامحة للتغيير؟

أظن هذا بالضبط ما يحدث اليوم؛ فالغالبية ترى في ارتداء الكمامة تقيِيدًا لقناعاتها وأهوائها، وترى في خلعها انتصارًا ولو ضئيلًا. ولا يشترط أن يكون الانتصار فكريًّا أو سياسيًّا، بل ربما مجرد تحقيق لما اعتادو عليه سلفًا. وعليه؛ كيف نحاسب إنسانًا على المطالبة بحقه في الحريّة؟!

أذكر دخول رئيس قسم الرمد أثناء تأديتي لاختبارات العام الماضي للَجنتي -التي يُفصَل فيها بين الطالب وزميله بما يقل عن المتر- وجملته العظيمة التي قالها بحزنٍ بعد أن رأى غالبيتنا لا ترتدي الكمامات: " يا أولادي! هذه الكمامة ليست استجابة للوضع الراهن، إنما هي سمة ملازمة للطبيب المعتبر؛ فاعتادو عليها اليوم حتى يسهل عليكم ارتداؤها غدًا". ولك أن تتخيل أن الموقف الذي ذكرت هو معبّر عن سلوكيات أطباء المستقبل، فما بالك بعموم المجتمع؟

دور الجماعات في نجاح الممارسات أو فشلها:

الإحساس بعدم المعايشة لخبرة ما يشعر الإنسان بأنه في كوكب موازٍ بعيد عن أخطار هذه الخبرة، فالأفراد الذين أحاطت بهم كورونا دون إصابتهم لن يشعروا بنجاعة هذا المرض، وكذلك الذين أُصيب أقربائهم وأحبائهم غالبًا ما ستُنسيهم الأيام سريعًا سوء هذا المرض وفتكه، بل وسيلقون بأنفسهم إلى التهلكة بخلع الكمامة، فقط لغياب المشهد عن أذهانهم.

لذلك فكل فرد منّا أعزائي لا تمثل كمامته مجرد حماية طبيّة له، بل هي حماية مجتمعيّة ببث الوعي وتذكير للغافل أو المتناسي؛ فكمامتك رسالة لكل وجه خالع للكمامة.

كان من حسنات كورونا بالنسبة لي أنها ردّت المجتمع لأساسيات طبيّة هامة تغافل عنها الكثير، مثل المحافظة على نظافة اليدين وعدم العبث بالعين والأنف وغيرها من الأساسيات التي لا يحق للأم أن تخرج ولدها إلى العالم دون تعليمه إياها؛ فلماذا نعرّض أنفسنا للإصابة بنزلة برد حتى، إذا كان يمكننا توقّي ذلك ببعض الممارسات الصحيّة التي لا تكلفنا شيئًا؟

وأنا أتفق مع مقولة: "العبد يُقْرَع بالعصا والحر تكفيه الإشارة"؛ لذلك فأنا مع الحكومات التي تسن قوانين صارمة خاصة في المسائل الطبيّة. فبعض الأفراد لا يعلمون شيئًا عن الالتزام دون العصا، فالعبودية أنواع وأهمها العبوديّة الفكريّة التي تتمثل في الانسحاق للجماعة وعدم تقييم الموقف بطريقة صائبة. أخبرني ماذا تظن؟

خِتامًا شاركوني بإجاباتكم عن سؤال: لماذا لا يحب الناس الالتزام حتى وإن كان بما يصلح معاشهم؟