ممكن أن نُولد وبداخلنا قوى خارقة تحمينا من الأمراض! إذا صح التعبير عنها بتلك الطريقة. تحور صغير في جين ينقذنا من الهلاك، أينعم نسبة حدوث هذا التحور الجيني نادرة لكنه أمر موجود. المعروف عن التحورات الجينية أنها مرتبطة دائمًا بحدوث الأمراض، لكن ماذا إذا كان هذا التحور الجيني المسبب لمرض معين هو واقٍ لمرض أخطر؟ ألم يحدث لكم ضرر من قبل واكتشفتم أنه وقاكم من ضرر أكبر؟
على سبيل المثال، فقر الدم المنجلي "Sickle cell anemia" يحدث نتيجة تحور الجين المسؤول عن تخليق هيموجلوبين الدم. أصحاب هذا المرض عندهم مناعة من مرض الملاريا، أي أنه إذا أصابتنا الملاريا ونحن لدينا فقر الدم المنجلي أو أي تحور يؤثر على هيموجلوبين الدم لن تؤثر فينا العدوى. طبيعة مرض الملاريا تعتمد على خلايا الدم الحمراء لكي تكمل دورة حياتها داخل أجسامنا، فخلايا الدم لدينا ليست بالصورة الطبيعية التي تستفيد منا الملاريا. هذا الاكتشاف كان طفرة في إيجاد لقاحات وعلاجات للملاريا، رُب ضارةٍ نافعة!
مثال آخر، التليف الكيسي أو "Cystic fibrosis" هو مرض يصيب الجهاز التنفسي والقناة الهضمية، وهو يصيب الخلايا المسؤولة عن إفراز المخاط، والعصارة الهضمية. السبب في حدوث هذا المرض هو تحور في الجين المسؤول عن تخليق قنوات الكلورايد "Chloride channels"، هذه القنوات مسؤولة عن تنظيم إفرازات المخاط، لذا إذا ضُربت سيفرز الجسم المخاط بكميات هائلة تعرضنا إلى أمراض الجهاز التنفسي وأمراض أخرى خطيرة. الفكرة هنا أننا إذا كنا نعاني من هذا المرض ستكون لدينا مناعة ضد مرض الكوليرا، الذي يؤدي إلى إسهال حاد يؤدي إلى الوفاة.
أين الخير في ذلك، فنحن نعاني من أمراض في النهاية! أينعم هذه الطفرات كانت عامل أساسي لاكتشاف كيفية حدوث بعض الأمراض، واكتشاف طرق العلاجات، لكن هل يوجد طفرة لا تسبب مرض لكنها مفيدة لنا؟
ذكرت في المساهمة السابقة أنه لا يوجد علاج لعدوى الHIV أو الإيدز، لكن هناك فردان تم شفاءهم من تلك الأمراض، كيف!
اكتشف العلماء أن هناك تحور جيني لدى بعض الأشخاص يمنع العدوى بالHIV، التحور هو لجين يُدعى CCR5 المسؤول عن بعض المستقبلات لدى الخلايا المناعية وبالأخص الT cells، التي يستهدفها الفيروس.
السؤال الذي يدور الآن، لما لا يستخدمون هذا التحور في علاج كل حالات الHIV ؟
السبب هو أن استخدام هذه الطريقة يتم عن طريق زراعة النخاع العظمي، المشكلة أن إتمام هذه العملية يتطلب تدمير الجهاز المناعي للمريض بالكامل وإعادة بناءه مرة أخرى بالنخاع العظمي الذي يحتوي على الخلايا المتحورة. أي أننا نقوم ببناء جهاز من أجهزة الجسم من الصفر، وبالمنطق هذه الطريقة ليست سهلة أن تكون علاج شائع لهذا المرض لعدة عوامل:
أنه صعب العثور على أشخاص لديهم تحور لجين CCR5، وهل أصلًا سيقبلون التبرع بنخاعهم لعلاج آخرين أم لا.
عملية زراعة النخاع العظمي مكلفة جدًا، وهي في الأساس ما تزال تحت الدراسة لكثرة المضاعفات.
لا تعتبر هذه المحاولات حل للمرض، لأنها لم ترتقي حتى الآن لكي تكون علاج صريح، لكن الطب والعلم كل يوم بجديد.
أخبروني بآرائكم، إذا اكتشفتم أنكم من يملكون هذا التحور، ووجدتم فرصة لأن تكونوا من المتبرعين داخل الأبحاث القادمة، هل ستشاركون؟
ولما هذا المرض بالتحديد حتى الآن مستعصي على العلم، والآمال موضوعة على طرق علاج من رأيي لن تتطور إلا بعد عقود طويلة؟
التعليقات