كمستقلين، كثيرًا ما ننجز مشاريع بنجاح مع عملاء، ومع ذلك نجد أنفسنا نتردد أحيانًا في العمل معهم مجددًا. قد يعود ذلك لعدم وضوح التوقعات منذ البداية، أو ضعف التواصل أثناء سير المشروع، أو طريقة العميل في التعامل مع الملاحظات والضغوط التي تواجهنا. هذه العوامل تؤثر على راحتنا المهنية وتجعلنا نفكر جيدًا قبل قبول مشروع جديد من نفس العميل، رغم أن التجربة السابقة كانت ناجحة. فما هي العوامل التي تجعلكم تترددون في التعاون مع عميل سابق رغم انتهاء المشروع بنجاح؟
كمستقل، ما الذي يجعلك تتردد في العمل مع عميل مجددًا رغم انتهاء المشروع بنجاح؟
قد تكون تجربة العمل مع عميل ناجحة على الورق فقط، ولكنها كلفتنا الكثير من راحة البال، واستنزفت طاقتناو احتمالنا من أجل السمعة المهنية.
في الحقيقة أننا كلما نضجنا كلما أصبح هناك حسابات آخرى ، ولأن نجاح المشروع لا يقاس فقط بالملفات التي تم تسليمها في موعدها بل في كيفية التواصل؟ هل كان النقد المقدم بناء أم مجرد ملاحظات عبثية؟
لذا فإن التردد في التعامل مع عميل سابق قد يدل على نضج شخصي ومهني وليس دليل على التقلب أو المزاجية
بالفعل، وهذا يدفعنا إلى إعادة النظر في مفهوم النجاح داخل بيئة العمل الحر. فنجاح المشروع لا يقتصر على تسليم الملفات في موعدها، بل يمتد ليشمل جودة التجربة التي مرّ بها المستقل أثناء التنفيذ. أحيانًا ننهي مشروعًا بكفاءة، لكننا نخرج منه منهكين ذهنيًا ونفسيًا، وهو ما لا يظهر على الورق. ما لاحظته أيضًا أن بعض العملاء يتبعون نمط ثابت في التعامل، يتسم بالضغط أو الغموض أو تجاهل ملاحظات المستقل، مما يجعل التردد في التعاون معهم مجددًا أمرًا منطقي، نابع من الحرص على الاستدامة المهنية لا من المزاجية. لعلنا لو نظرنا إلى التجربة كاملة، وليس فقط إلى النتيجة النهائية، لأصبحت قراراتنا المستقبلية أكثر وعي واتزان.
أعتقد أن عدم الوفاء بالاتفاق قد يكون سبب لتجنب تجربة العمل مجدداً مع العميل، فلو اتفقنا على عمل محدد، وأثناء المشروع تم إضافة بنود للاتفاق أو أعمال إضافية، ذلك قد يجعل المستقل يفكر بعدم تكرار تجربة العمل مرة أخرى مع العميل، لكن ذلك نادر الحدوث فيما رأيت.
بالفعل، عدم الوفاء بالاتفاق أو إدخال تعديلات مفاجئة أثناء سير المشروع يُعد من أبرز الأسباب التي تجعلنا نتردد في خوض تجربة جديدة مع العميل، حتى إن تم تسليم المشروع بنجاح. وقد يبدو هذا الأمر نادرًا من وجهة نظر البعض، لكنه حين يحدث يترك أثرًا واضحًا في تقييم التجربة ككل، خاصة إن لم يكن مصحوبًا بتقدير أو تعويض مناسب. لذلك أرى أن وضوح التوقعات منذ البداية، والالتزام بها حتى النهاية، من أهم عوامل بناء علاقة مهنية قائمة على الثقة والاستمرار.
قد مررت بإحدى هذه التجارب حيث كان الطلب يبدو بسيطاً، ومطلوب على استعجال خلال ساعات قلائل، وانتهى الأمر بالمشروع أن يستمر أكثر من أسبوعين، لذلك أقول حتى لو كانت كل التوقعات واضحة، إلا أنه قد تحدث مفاجآت يضطر فيها المستقل للاستمرار حرصاً على سمعته وتقييمه، لكن حتى أكون منصفاً لم يتكرر معي هذا الأمر إلا بنسبة أقل من 8% من إجمالي مشاريعي التي نفذتها.
هناك العديد من الأشياء في الواقع، ربما أكثرها هو : كثرة الطلبات والانتقادات والتعديلات بالرغم من أن العمل جيد وتم تنفيذ ما طلبه منذ البداية والتعديلات المطلوبة قد تكون نفس الشيء لكن بأسلوب آخر! أو ربما تقلل من جودة العمل بالأساس، وأسلوب الانتقاد قد يكون حادًا مع أنه يمكن طلب ما يريد بأسلوب جيد كما أتعامل معه أنا بأسلوب جيد، وكل هذا مع إنخفاض قيمة المقابل المادي.
أتذكر عميلًا منذ البداية طلب تخفيض قيمة العرض، ثم طلب زيادة عدد النصوص، ثم الكثير من التعليمات والتعديلات، وأسلوبه في طلب التعديلات لم يكن جيدًا، وقد يتأخر في الرد على الرسائل ثم في الدفع أيضًا!
تجربتكِ تُجسّد بوضوح ما قصدته في المساهمة من حيث تراكم العوامل التي تُرهق المستقل حتى لو تم تنفيذ المشروع بنجاح. التعامل غير المرن، وكثرة التعديلات غير المبررة، وسوء أسلوب النقد، إلى جانب ضعف المقابل المادي، كلها أمور تجعل التجربة مرهقة نفسيًا ومهنيًا، خاصة حين يُطلب من المستقل أن يحافظ على أعلى درجات المهنية والالتزام دون أن يُقابل ذلك بتقدير مماثل. لهذا كثيرًا ما يكون قرار عدم تكرار التعاون مع عميل معين، ليس بسبب خلل في النتيجة النهائية، بل بسبب التجربة ككل.
عندما تعني جملة (انتهاء المشروع بنجاح) تمر على مسمع المستقل كأنها (نجى المستقل بنجاح)
بعض أصحاب المشاريع يستنزفون طاقة المستقلين بطريقة سيئة جدًّا، وقت ضيق استعجال وسؤال عن انتهاء المشروع بشكل يثير التوتر، عدم تحديد المقابل المادي من البداية أو تغييره على آخر لحظة لمبلغ زهيد، كثرة الطلبات والتعديلات، أو اختلاق أشياء جديدة في المشروع لم يكن متفقًا عليها من البداية، استغلال أمانة المستقل وصدقه وضميره الحي كالدفع له قبل انتهاء المشروع ثم البدء بطلب تعديلات لا نهاية لها، قد يشعر المرء أنه سيفنى قبل أن ينهي هذا المشروع، فعندما يعود صاحب المشروع مرة أخرى يكون الأمر مرعبًا جدًّا
عندما تعني جملة (انتهاء المشروع بنجاح) تمر على مسمع المستقل كأنها (نجى المستقل بنجاح)
وصفك الدقيق جعلني أبتسم رغم مرارة التجربة التي تصفها.
نعم، نجاح المشروع لا يعني بالضرورة أن التجربة كانت مهنية أو إنسانية، بل أحياناً يُنجز المشروع بثمن نفسي كبير، يجعل مجرد تكرار التعامل مع العميل أمرًا مقلق أو حتى مرعبب كما وصفت. من المؤسف أن البعض يرى التزام المستقل وحرصه على الجودة فرصة للمزيد من الضغط والاستغلال، بدلًا من أن يُقابل بالتقدير.
صحيح أن نجاح المشروع لا يعني دائمًا راحة المستقل خلال التنفيذ فهناك عوامل خفية لا تظهر في النتيجة النهائية لكنها تؤثر بشكل مباشر على تجربة المستقل من أهمها وضوح توقعات العميل منذ البداية وجودة التواصل أثناء المشروع وطريقة التعامل مع التعديلات والملاحظات في سوق العمل الحر لا يقاس النجاح فقط بتسليم المشروع بل أيضًا بمدى الحفاظ على بيئة عمل صحية وضغط نفسي متوازن لهذا من الطبيعي أن يعيد المستقل تقييم قراره قبل خوض تجربة جديدة مع نفس العميل حفاظًا على استدامة عطائه وجودة خدماته .
بالفعل، الحفاظ على بيئة عمل صحية لا يقل أهمية عن جودة الناتج النهائي، وربما هذا ما يجعلنا نُعيد التفكير قبل تكرار التجربة حتى وإن سارت بشكل ناجح ظاهريًا. أحيانًا لا يُدرك العميل أن أسلوبه في التواصل أو ردود فعله على الملاحظات قد يكون أكثر إنهاكًا من تنفيذ المهام نفسها، ومع تكرار هذا النوع من الضغوط، يتعلّم المستقل أن يضع راحته النفسية ضمن معايير اختيار العميل، لا النتائج فقط.
شكرًا على ردّك العميق والمليء بالوعي فقد كان توصيفك دقيقًا للغاية.
العمل الحر ليس مجرد مهام نُسلّمها بل هو بيئة نتفاعل فيها يوميًا ويُشكّل التواصل المحترم والداعم جزءًا جوهريًا من هذه التجربة.
كما ذكرتِ العميل الذي يقدّر جهدنا ويُراعي راحتنا النفسية يكون دافعًا قويًا للاستمرار يفوق أحيانًا أي مقابل مادي.
سعيدة جدًا بأن هذا النقاش أتاح لنا الفرصة للحديث عن هذه النقطة الجوهرية التي يتغافل عنها الكثير من المستقلين رغم أهميتها البالغة .
من واقع عملي كمستقل، واجهت مرات عديدة أنني أنجزت مشاريع بنجاح مع عملاء، لكنني ترددت في قبول مشاريع جديدة منهم لاحقًا. مثلاً، في أحد المشاريع، كان العميل غير واضح في توقعاته منذ البداية، ما أدى إلى تغييرات متكررة وأوقات عمل إضافية لم تكن محسوبة، رغم أننا في النهاية حققنا النتائج المطلوبة.
ما ذكرته يلخص واحدة من أكثر النقاط إرهاقاً للمستقل، وهي غياب الوضوح منذ البداية. هذا النوع من الغموض يستهلك وقت وجهد ذهني كبير، خاصة عندما يُطلب من المستقل إعادة التعديل عدة مرات دون مرجعية واضحة. حتى وإن خرج المشروع بنجاح في النهاية، فإن الضغط الناتج عن سوء التخطيط يُفقد التجربة توازنها ويجعل تكرارها أمرًا غير مرغوب فيه.
التعليقات