كانت الساعة تشير إلى الثامنة صباحًا، وكعادتي، كنت أجلس خلف مكتبي بوجهي المرهق وعقلي المثقل بالمهام الروتينية التي لا تنتهي. كل يوم يشبه سابقه، تعليمات متكررة، اجتماعات بلا معنى، وإحساس متزايد بأني أدور في حلقة مفرغة.

في إحدى تلك اللحظات الخانقة، تساءلت: "هل سأقضي بقية حياتي هكذا؟" فكرة الاستقلال لمعت في ذهني كوميض خاطف، لكنها سرعان ما تلاشت تحت وطأة الخوف من المجهول. من أين أبدأ؟ كيف سأضمن دخلي؟

أسابيع من التفكير المضني، وساعات من البحث عن قصص الآخرين، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي قررت فيه الاستقالة. كان القرار مزيجًا من الجرأة والخوف، شعرت وكأنني أقف على حافة هاوية. كتبت استقالتي بيدين مرتجفتين، وقلبي ينبض كطبول الحرب.

البداية لم تكن سهلة، الأيام الأولى كانت أشبه بمعركة ضد الذات. لا راتب ثابت، ولا مواعيد واضحة، فقط مسؤولية ثقيلة على عاتقي. اضطررت إلى تعلم مهارات جديدة، وتقديم نفسي في سوق لا يعرفني.

لكن شيئًا ما بدا يتغير. كل نجاح صغير كان يعطيني دفعة للأمام. أول عميل، أول راتب من عملي الخاص، وأول شعور بالحرية الحقيقية. لم أعد أعيش على الهامش، بل أصبحت أنا من يحدد إيقاع يومي.

اليوم، وأنا أنظر إلى ما حققته، أبتسم رغم التعب. الطريق لم يكن مفروشًا بالورود، لكنه كان يستحق كل خطوة.

الآن، أسأل نفسي كما أسألك: هل ستبقى في مكانك الآمن أم ستغامر بالبحث عن ذاتك الحقيقية؟