لطالما كانت الموسيقى جزءاً أساسياً من حياتي كفتاة مليئة بالمشاعر، رفيقي في كل مزاج وكل حال، وأنا راجعة إلى البيت، أو في المشي الطويل، أو وأنا أعمل أو أي شيء فعلاً، اذا كنت حزينة فهي تعبر عما في داخلي واذا كنت سعيدة فهي تعطيني نشوة أعلى وإن كنت هادئة فهي تجعلني انظر للداخل وان كنت ابحث عن الامان فكلماتها تعطيني الأمل والراحة.

كنت أحب مشاركة الأغاني، لايمكنك بطبيعة الحال أن توصل احساسك للآخرين في 70% من الوقت أو اكثر، لكن الموسيقى تقلل هذا الفارق .. لايمكنك أن تطلب من احد فهمك لكن الموسيقى تجعلهم يحاولوا أن يفهموا بقلوبهم قبل أن تترجمه عقولهم لكلام.

لدي محبة خاصة للأغاني بلغات أجنبية، قد أقرأ الترجمة مرة أو مرتين، واستمع للأغنية مليون مرة باحساس المغني، معظم الأوقات لا اذكر بالضبط تفاصيل كل مقطع ماذا كانت كلماته، ولكني أعيش شيئاً متخيلاً شيئاً في عقلي فقط متوافقاً مع الغناء واللحن حتى لو كانت الكلمات في الحقيقة مختلفة.

كانت تلك وسيلة تفريغ أيضاً، يسكب المغني مشاعره فتنسكب مشاعري أنا ايضاً، أو ابكي وكأني اشعر فيه بينما انا في عالمي الخاص =) إنني لا أنسى على وجه الخصوص الأحساس الرائع بالقلب والروح الحيين الذي يغمرني حينما اقطع مسافات طويلة بالدراجة ويرتطم بي النسيم العليل وتلعب في أذني مختلف الآلات والكلمات العذبة. على الرغم من ذلك كنت في أغلب الوقت لا أشعر بالهدوء أو التفريغ بعد أن أنتهي .. على العكس أشعر بنوع من العلو يليه استنزاف واحتاج إلى الاسترخاء بعدها.

إلا أنه قد كان هناك جانب سلبي اضافي تأكدت منه، الا وهو امتلاء القلب، اذا كنت ألجأ باستمرار لأغنية، احسها وافهمها واسقط عليها حياتي، فان سعة قلبي مشغولة بهذا بما لايدع مجالاً لاستقبال واحتواء وفهم شعور أو معناً آخر ! هذا هو بالضبط ماجعل مساحة القرآن ضئيلة جداً في حياتي، صفحة أو صفحتان بالضبط هما مابوسعي قراءته كل فترة وأخرى بسبب هذا الأزدحام والارهاق لمشاعري، ولم أدرك هذا حتى توقفت عن سماع الأغاني أو قللت جداً لفترة من الزمن.

بدل الصفحة صار قراءة جزء باليوم أمراً عادياً وقابلاً للتطبيق وليس ممارسة "رمضانية" أجاهد نفسي فيها، أصبح تدبر معاني القرآن يأتي إلي بكل تلقائية وصرت أحس بكل آية أقرأها حية و relevant جدا وكأنها تنزل علينا اليوم، والكلمات تواسي قلبي وتدع مشاعري تخرج بأمان، وأترك بعدها بشعور يشبه أن تضع الفيكس على صدرك =))) هناك برودة مداوية لا يشرحها الإنسان وإنما يشعر بها.

ووجدت في قلبي سعة أكبر وفي نفسي شيئاً أكبر من السكينة رغم صخب الأيام، وقد يبدو هذا كلاماً انشاءياً محضاً لكن اعداد قلبك لاستقبال القرآن ومن ثم استقباله فعلاً يكون فرقاً في طريقة رؤيتك للحياة، يرتب أولوياتك، يحسن أخلاقك، يجعلك ألين، ارتباطك بالقرآن مع الأيام يجعلك ترى كل شيء بعينه، الأمر الطبيعي اجتماعياً لايصبح طبيعياً لانك قرأت القرآن يذم هذا الأمر، لاتعود تنتظر الموافقة الاجتماعية فأنت الآن تشعر بثبات أكثر .. فالقرآن يعطيك معية وثقلاً، التنافر المعرفي أقل .. فأنت الآن مرتبط بهذا الكتاب الذي تؤمن به ويحدد لك طريقك ويحكم لك في أمرك.

أنا لست هنا للفتوى بكل تأكيد، ولكن هذه ملاحظتي من خلال التجربة، بكل تأكيد القرآن والموسيقى لايجتمعان في قلب واحد، وقد حاولت حتى التقليل من الأغاني وسماعها من فترة لفترة، اذا قطعتها فترة ثم سمعت لنصف ساعه او ساعه وماشابه، أجد أثر هذا على قراءتي للقرآن، فتقل همتي، او يقل تدبري، أو ابتعد قليلاً عنه.

كلامي قد يبدو للبعض وكأن به تشدد أو كيف ترين الموسيقى أمراً سيئاً ووو ...، وجدت أن هذان الأمران القرآن والموسيقى لكلاهما أثر عميق على عاطفة الانسان وواحد منهما هو مايستولي لأن للمرء قلباً واحداً، لذلك اجاهد نفسي لأتوقف عن استنزاف مشاعرها في الموسيقى والكلمات التي تتركني في مكان عالٍ سرعان ما أسقط منه أو كلمات بشرية تسلل إلى نفسي مشاعر معينة لم أعيها بالبداية أو افهمها جيداً أو أوافق عليها حتى، وأحاول بدل ذلك التركيز على تسليم هذه المشاعر لمنهج القرآن ليديرها ويربي السيء منها وينمي الصالح منها، ووجدت أثراً طيباً جداً لهذا أحاول مجاهده نفسي على أن لا أفقده.