منذ يومين كنت أملأ استمارة تحت عنوان "هل أنت الصامت اليقظ أم المتحدث المتفاعل؟" لإحدى الجمعيات المختصة بالتنمية البشرية. لا زلت أذكر السؤال الأخير بحذافيره إذ أنه حقيقة استمال انتباهي فلم أجد بدا من أن أحفظه وهو كالتالي: " هل تعلم أن الهدوء قد يكون أحيانا استراتيجية فعالة يعتمدها القادة الناجحين لبسط حضورهم؟" أجبت حينها كلا إذ أنني لم أكن أعلم حقيقة أن الهدوء استراتيجية بحد ذاته بل إنني كنت أجده سلبيا خاصة في المواقف التي يصمت فيها الجميع فيصبح الهدوء مثيرا للريبة.

إلا أنني وبعدما أجريت بحثا عن الموضوع تبين لي أن القادة يعتمدون استراتيجية الصمت بهدف جعل الطرف الآخر يقوم أولا بملء الفراغ بعد إعطاءه حوالي ثلاث ثوان لاستجماع أفكاره. وهناك أهداف أخرى قيمة لهذه الطريقة وهي:

  • نقل أفكار الجمهور إلى مستوى أعمق من خلال الهدوء الهادف
  • إفساح المجال أمام الآخرين للتعبير عن آرائهم وتطلعاتهم ووجهات نظرهم
  • إعطاء بعد للفكرة التي يتحدث عنها القائد وافساح المجال أمام التأمل بها والتفكير مليا

وهنا سأستعين بمثال عن استراتيجية الهدوء المتعمد:

قام المدير التنفيذي لإحدى الشركات بعقد اجتماع مع مدراء الإنتاج وتحدث عن نية الشركة إضافة منتج آخر لسلسلة منتجاتها وقدم مسودة المشروع. بعد انتهائه عم الهدوء داخل قاعة الاجتماعات خاصة أن المدير لم يطرح أي سؤال، بل صمت فورا. وهنا كانت ردود الفعل كالآتي بعد مرور 5 ثواني:

المتكلم 1: أنا أجد أنها فكرة جيدة خاصة أن لهذه السلعة وبحسب رؤيتي أسواق تصريفه تمتد إلى العاصمة.

المتكلم 2: أنا أعتقد أن تجريب المنتج قبل وضعه في السوق مهم إذ أنه سيساعدنا في تكوين فكرة عن انطباع الناس حول ما سنقدمه وهو ما يمكننا من تحسينه .

وأما المتكلم الثالث فقد صمت وفضل عدم المشاركة في الحديث إذ أنه وجد فترة الهدوء بعد حديث المدير غير مريحة أبدا وتوحي بجو من التوتر (هذه الفكرة تسود في بعض البيئات مثل المجتمعات الإنكليزية والأميركية). ولذلك فقد نأى بنفسه عن الحديث.

والآن عندي سؤال لكم، هل أنت الصامت اليقظ أم المتحدث المتفاعل؟ ولما ذلك؟