التعلم القائم على المعرفة هو الصورة الأقرب للتعلم التقليدي حيث يركز على اكتساب المعارف النظرية والمعلومات في مختلف الموضوعات كالعلوم والتاريخ واللغات. أما التعلم القائم على المهارات فهو يركز على اكتساب مهارات عملية كمهارات التواصل أو التفكير النقدي أو مهارات في مجالات معينة كالبرمجة أو الكتابة والتي لا تحتاج لدراسة بعينها لاكتسابها، وفي ظل تطور التكنولوجيا وتوفر مئات المصادر والطرق للتعلم وتغير احتياجات سوق العمل، ما من بينهما ترون أننا بحاجة إليه أكثر في العصر الحالي؟
أيهما أهم للعصر الحالي برأيك، التعلم القائم على المهارات أم القائم على المعرفة؟
في ظل التطورات الحالية السريعة للتكنولوجية وتغير احتياجات سوق العمل، يبدو من وجهة نظري أن التعلم القائم على المهارات يأخذ الأولوية في العصر الحالي، لكنه لا يمكن أن يحل محل التعلم القائم على المعرفة بالكامل، بل يجب أن يكونا متكاملين ودعيني أوضح لك كيف، فالتعلم القائم على المعرفة يوفر الأساس النظري الضروري الذي يمكن أن يغذي فهم الأفراد للعالم المحيط بهم، مما يساعدهم على تحليل المعلومات واتخاذ قرارات مستنيرة، خاصة في مجالات مثل العلوم والتاريخ واللغات والجغرافيا التي تحتاج إلى فهم عميق للمفاهيم. أما التعلم القائم على المهارات، فهو أكثر أهمية في الوقت الحالي لأنه يجهز الأفراد بالكفاءات العملية التي تلبي احتياجات السوق المتغيرة، مثل مهارات التواصل، التفكير النقدي، البرمجة، أو الكتابة، والتي غالبًا ما تكون مطلوبة في بيئات العمل الحديثة. مع توفر المصادر التعليمية المتنوعة عبر الإنترنت، أصبح من السهل اكتساب هذه المهارات بطرق غير تقليدية، مما يجعلها أكثر مرونة وإمكانية تطبيق. لذلك، الحاجة الأكبر في العصر الحالي تكمن في توازن بين الاستثمار في المعرفة النظرية وتعزيز المهارات العملية، مع التركيز على المهارات بشكل أكبر لتلبية متطلبات السوق المتسارعة.
كيف ستحقق التوازن؟ يعني مثلا لو ذهبنا للمرحلة الابتدائية بالتعليم، فهم يدرسون مواد بالتأكيد تعرفها المواد الأساسية كيف ستوازن هنا بشكل عملي يحقق الفائدة التي أشرت لها؟
بتوفير في مادة الانشطة تلك المواد الإضافية وهناك العديد من المدارس تهتم حالياً بتعليم الأطفال تخصاصات مثل التصميم والجرفيك والبرمجة وحتى ريادة الأعمال من سن صغير ، وإن لم يكن هذا متوفراً في جميع المدارس يمكن للأسر العادية بلعب هذا الدور مع أطفالهم وهناك العديد من المصادر التعليمية المجانية تساعد الأطفال في مراحل صغيرة جداً من تعلم تلك التخصصات.
طالما أن حاجة سوق العمل الآن تحتاج للمهارات أكثر لماذا نصر على التوازن بدلا من التركيز على المهارات فقط؟ على سبيل المثال إذا اتخذنا البرمجة كمطلوب أساسي من احتياجات سوق العمل في العصر الحالي لماذا لا نخصص مسار تعليمي قائم على احتراف البرمجة منذ الصغر ويدرس فيه الأطفال المواد أو العلوم التي يحتاجونها فقط لهذا المجال بدلا من التشتت في نظام التعلم التقليدي واثقالهم بمعارف كثيرا لن تفيدهم في التطبيق على أرض الواقع؟
سأقول لك لماذا بشكل مختصر
لنتخيل أننا قمنا بتنمية طفل منذ الصغر على أن يكون مبرمج محترف يسبق أقرانه بهدف إفادة نفسه وبلده
وتنمية طفل ثاني يعتمد على فكرة التوازن الدراسي فقام بدراسة الدين والجغرفيا والتاريخ بجانب البرمجة .
عندما يكبر كلاهما مثلاً وتلقى الأثنان عرض لمهارتهم بالخارج ليعمل كلاهما ضمن عرض غير قابل للرفض في دولة معادية (مثلاً) ولكنها تتعامل بأسلوب مهني مع العلماء ويقدمون لهم حياة مثالية حقاً في العمل والمعيشة هذا لأنهم ببساطة يقدرون رأس المال الفكرية ، سنجد أن الشخص الأول أكثر عرضة لقبول العرض هذا لأنه (جاهل) تاريخياً ودينياً و جغرفياً بما يشكله وطنه وهويته وانتمائه لأنه ببساطة لم يتم تأسيسه ليدرك أساسيات طبيعة ما يحدث في العالم حوله لن يكون أكثر من دودة علم بلا انتماء ،بعكس الثاني الذي سيرفض بشكل شبه مؤكد تلك العروض وسيختار أن يؤسس عمله ويخصص أفكاره لخدمة وطنه وانتمائه .
هل أنت مقتنع بشكل كامل أن بيئة الدراسة تربي الطفل دينيا ووطنيا؟ هذا لم يعد موجود على أرض الواقع، لأسباب كثيرة يطول شرحها ولكن أهمها هو تقليل دور المعلم، البيئة الأولى متمثلة في الأهل هي المسؤولة عن إنشاء ابنها دينيا ووطنيا، البيت الذي يربي على حب الوطن ويتفاخر بتاريخه ويربي ابنه على تعاليم الدين الصحيحة لن يتأثر أمام المغريات إلا إذا كانت الأساسيات غير قوية.
نعم صديقتي أنا مقتنع بما أقول (ربما ليس بشكل كامل) فأنا أدرك بشكلاً ما طرحك بين السطور ، ولكن أنا أتحدث عن الأساسيات ، وأنا لا أرى أي تعارض بين الموازنة بين العلوم ودعيني أمنح مثل واضح لا يحتمل التأويل ، أنظري لكل علماء المسلمين في العصر الذهبي للإسلام ستجدي أن كل العلماء يجيدون أكثر من شيء ستجدي أن العلماء في الكيمياء هم أيضاً حفظة للقرآن و علماء حتى بالتاريخ بل لهم العديد من الكتب ليست في الكيمياء فقط أو الطب فقط ولكن حتى في الدين والشعر ، والأمثلة لا حصر لها ويمكنك قراءة النبذات التاريخية عن خلفية مشاهير علماء المسلمين وستدركي قصدي بهذا الخصوص.
التلازم بين المعرفة والمهارة لا ينقطع فبقدر ما يحتاج المتعلم الى تنمية مهاراته بقدر ما يحتاج ايضا الى معلومات يوظف فيها مهاراته وهذا التمازج بينهما هو الخبرة ففيها جانب المعرفة وجانب المهارة.
الأطر النظرية لا تكسب مهارات، المهارات تكسب من التطبيق، وما قصدته بالتعليم القائم على المعرفة فقط هو كما وصفه يشمل الإطار النظري فقط من الشيء، فكان قديما يمتدح مثلا حفظة القصائد والأشعار وخبراء الخرائط ومن يجيد العمليات الحسابية، العالم في السابق كان أبسط واحتياجات سوق العمل كانت أبسط كذلك أما الآن فتطورات العصر طورت احتياجات سوق العمل الأمر الذي جعل من المعرفة وحدها ليست أداة كافية لاحداث أي تقدم وعزز من قيمة المهارات، الآن هناك مجالات كثيرة تعتمد على المهارة أكثر من المعرفة مثل صناعة المحتوى تحتاج لمهارات تواصل ومهارات تكنولوجية ومهارات كتابية وإبداعية لكتابة الأفكار، كل هذه مهارات مكتسبة لا علاقة لها بالمعارف النظرية.
رأيي أن الفصل بين التعلم القائم على المعرفة والتعلم القائم على المهارات يُعد خطأ، لأن العلاقة بينهما تكاملية ولا يمكن فصلهما بشكل حقيقي. فعملية اكتساب المهارة تعتمد بشكل أساسي على وجود معرفة مسبقة، إذ لا يمكن إتقان أي مهارة دون فهم نظري للأساسيات التي تقوم عليها. وفي الوقت نفسه، اكتساب المعرفة وحده دون تطبيقها بشكل عملي وتحويلها إلى أداء متفوق يُعتبر محدود الجدوى، حيث يُعد تطبيق المعرفة بمهارة جزءًا من إتقانها.
وهذا ما تمكنت العديد من المعاهد من تطبيقه بفعالية، حيث صممت مناهج تعليمية تجمع بين المعرفة النظرية والتدريب العملي، مما جعل شهاداتها أكثر قيمة في سوق العمل مقارنة بالشهادات الجامعية التقليدية، التي غالبًا ما تركز على الجانب النظري فقط دون التركيز الكافي على التطبيق العملي واكتساب المهارات.
لذلك، أرى أن التعلم يجب أن يُصمم بحيث يجمع بين المعرفة والمهارة، مما يعزز من قدرة الفرد على التعلم النظري والتطبيق العملي بشكل متكامل.
هذا يجعلنا نتساءل أليس من الضروري الآن تغيير أنظمة التعليم لتصبح ملائمة أكثر لسوق العمل؟ مقرراتنا مازالت تدرس معلومات عفا عليها الزمن وتركز على موضوعات طوى صفحتها العالم كله، مجالات كالبرمجة والذكاء الاصطناعي، ومجالات هامة كالعلوم عموما أين نحو من خريطة تقدمها؟ من الضروري توفير مسارات أخرى للنظام التقليدي تشمل التركيز على التطور في جانب واحد أو عدة جوانب كالتي يحتاجها سوق العمل، فلماذا لا تكون هناك مدارس أو أكاديميات تختص بمجال البرمجة فقط، ومدارس وأكاديميات تختص بالعلوم فقط، ومثلها في الفنون والرياضة لنوازن بين اهتمامات وقدرات المتعلمين المختلفة وبين احتياجات سوق العمل
بالنسبة لي أرى التعلم القائم على المهارات أفضل، وآمل أن يدرك الجميع ذلك، والأهمية هنا تأتي لعدة أسباب أهمها الفجوة بين ما نتعلمه نظرياً وما يحدث فعلياً على أرض الواقع، الأمر أشبه بأن اقرأ وصفة لكيفية تركيب قسطرة لمريض قلب، ثم بعد ذلك أجد نفسي أمام مريض ومطلوب مني تنفيذ الأمر هل سأنجح ؟ بالطبع لا أما أن أرفض أو أحاول فيموت المريض.
وثاني أهم سبب هو أن الوضع الحالي والتنافسية باتت قوية ولا مجال داخل أي بيئة عمل لاحتضان المتعلمين نظرياً والبدء في تدريبهم الجميع يريد شخص يلتحق بالعمل اليوم وهو مدرك لكل مهمة به؛ لذلك أرى التعليم بالمهارة والممارسة أهم بكثير
التعليقات