في مدرستي في دمشق تعلّمت الفرنسية والإنجليزية بلا أي خيار وكان يمكن أن يُضاف لها أيضاً اللغة الروسية، هذا كان محط نقاش حكومي واسع، ولكن يحضرني سؤال من رحم تلك الصعوبات التي تكبدناها في صغرنا لتعلّم هذه الأمور الصعبة والتي قد لا نحتاجها نهائياً كالفرنسية مثلاً: هل يجب علينا أن نتعلّم قسراً لغة أخرى بالمدرسة أم هذه المعرفة يجب أن تكون اختيارية؟
هل يجب علينا أن نتعلّم قسراً لغة أخرى بالمدرسة أم هذه المعرفة يجب أن تكون اختيارية؟
ولو كان الأمر اختياري يا ضياء كيف سيكون إدارته حين ذاك؟ يعني لو نحن في مدرسة بها 800 طالب. ماذا لو قبل الجميع أو ماذا لو رفض الجميع؟ في الواقع لا الأمر هكذا، بل لابد من فرض تعلم ولو لغة واحدة لانك لو خيرت الطلاب فمن يرضى يا ترى أن يزيد هم الاستذكار لديه؟ أنكل الأمر لرغبات تلميذ صغير لا يدري ما مصلحته؟ ولكن قد ينفع الاختيار في المراحل المتقدمة مثل الثانوية بأن يختار الطالب أن يتعلم مع الإنجليزية الألمانية أم الفرنسية مثلاً؟ هكذا يكون الأمر أما أن يكون الأمر اختيارياً من البداية فهذا لا يمكن ضبطه بحال.
لانك لو خيرت الطلاب فمن يرضى يا ترى أن يزيد هم الاستذكار لديه؟ أنكل الأمر لرغبات تلميذ صغير لا يدري ما مصلحته؟
ولكن لدي استفسارات من حضرتك في هذه المسألة، ما المُشكلة أن لا يقبل الطلاب بتعلّم لغة أخرى غير لغتهم الأم؟ لماذا يجب أصلاً أن يتم فرض هذا الأمر عليهم فرضاً؟ هل للسؤال الأوّل عند حضرتك علاقة وارتباط في السؤال الثاني أي أنّك تعتقد فعلاً أن النظام التعليمي القائم هو فعلاً يعرف مصلحة هؤلاء الطلاب أكثر وبالتالي يجب أن يملك أداة إكراه وحشو زائد على الأطفال؟ لا أتفق بهذه المعاملة مع الأطفال ولا أعتقد أنّهم يستحقونها، أعتقد أنّ أفضل استحقاق لهذا الأمر أن ينال الطفل قدرته على اختيار فعلاً اللغة التي يريد أن يتعلّمها إن كان ولا بد أن يختار لغة ثانية غير لغته الأم.
نعم، الطالب في مراحله الابتدائية يعرف مصالحه. يعني يا أ. ضياء هل ابن حضرتك في الثامنة أو العاشرة يعرف ان كان تعلم لغة أو اثنين يفيده ام لا؟ النظام التعليمي القائم في كل بلد يمر بمراحل والمتخصصين يضعون المناهج ضمن أيديولوجية معينة تمشي بها البلدان في مراحل معينة. ولو خيرت الطفل في بلادنا هل تريد ان تتعلم أصلا فإنه لن يقبل وسيفضل اللعب في الشارع. لابد من لغة العلم أن تكون حاضرة وبقوة جنبا إلى جنب مع اللغة الأم سواء العربية أو غيرها.
أما الاختيار فيكون في مرحلة نضج يصلح معها الاختيار ويفهم فيها الطالب معنى الحرية والإختيار حتى يتحمل تبعة اختياره أما الطفل فلا يختار تبعو اختياره. وكيف ذلك والشرع لا يخير الإنسان منا ما بين الإيمان وعدمه الا بعد النضج الجسدي وبلوغ سن معينة؟
ضياء هل ابن حضرتك في الثامنة أو العاشرة يعرف ان كان تعلم لغة أو اثنين يفيده ام لا؟
لا أفهم أيضاً لماذا يجب أن نكون متعجّلين أصلاً في هذه المسألة أصلاً، في أن نجبر الطالب على دراسة أكثر من 7 مواد بالإضافة إلى لغتين مرافقتين أو لغة واحدة مع لغته الأم التي الأن أصلاً يتعرّف على تفاصيلها أيضاً، أعتقد أنّ هذه الأمور حشو لا معنى له وغير مفيد بسوق العمل حتى، والدليل بالمناسبة كل الأجيال المتخرّجة من المدارس التي بمعظمهم لا يتقنون الانكليزي حتى.
لا يتقنون الإنكليزية لأنهم لم يتعلموها بالطريقة الصحيحة. أذكر أن العقاد -كاتبي المفضل الذي أجله وأحبه- كان قد تلقى في تعليمه الابتدائي الإنجليزية وكان يدرس بها مواد مثل مادة الأشياء -هكذا كانت تسمى تقريبا- وكان يدرس الشعر الأجنبي بها. فهل أتى ذلك بالسلب عليه؟ لا، وكما يقولون دوماً التعليم في الصغر كالنقش على الحجر لاسيماً إن الإنجليزية لغة العلم و العلوم فهي ضرورة وليست ترفاً. دعك من ذلك، دراسة لغة أخرى تجعل الطفل يقارن محاسن لغته الام بتلك اللغة الأجنبية وأنا أحاول أن ألفت نظر الصغار إلى ذلك. ولكن أن لا أحبذ فرض أكثر من لغة أجنبية حتى لا يتشتت التلميذ الصغير.
لدي ظن قوي منذ زمن طويل أن تدريس هذه اللغات الأجنبية هو تنفيذ لأجندات أجنبية فرضت بالضغوط السياسية أو بالمغريات أو الابتزازات، فلغة مثل الفرنسية أو الإيطالية أو حتى الروسية أعتبرها مضيعة للوقت.
اللغة الوحيدة التي برأيي يجب الاهتمام بها هي الإنكليزية، لأنها - شئنا أم أبينا- هي لغة العلم والتقنية الآن، وداخلة في كل مجالات الحياة.
لدي ظن قوي منذ زمن طويل أن تدريس هذه اللغات الأجنبية هو تنفيذ لأجندات أجنبية
لا أجد في الأمر للصراحة أي نوع من أنواع الإساءة أو المؤامرات، من الطبيعي طبعاً أن تُدرّس في المدارس لغة وربما أيضاً علوم الحلفاء كنوع من الخطاب والتفاهم الودّي من الطرفين ولكن من المقبول في رأيي والأمر الذي يجب أن يكون محطّ نقاش دائماً هل هذا الأمر يصحّ في مسألة حرية الانسان في اختيار ما يريد تعلّمه من لغات على الأقل بما يتناسب مع طموحه؟
من واقع نظرة بسيطة على معظم الدول التي تفرض لغة أجنبية أو أكثر على طلابها، هي دول تم احتلالها من الدول أصحاب هذه اللغات، والتي عانوا منهم كثيراً وذاقوا منهم الويلات، مثل مصر التي تفرض اللغتين الفرنسية والإنكليزية على مراحل مختلفة من التعليم، نظراً لوقوعها تحت الاحتلال الفرنسي مرة، وتحت الاحتلال الإنكليزي مرة أخرى، وهذا الأمر قد يكون له تفسير من اثنين، إما أن هذا الأمر هو تأثر بالاحتلال وقبول بالأمر الواقع الذي فرض لغة المحتل كنوع من الاحتلال العقلي والفكري قبل العسكري.. أم هو تحصين للشعوب من الوقوع في براثن هذه الاحتلال مرة أخرى عن طريق تطبيق مقولة "من تعلم لغة قوم أمن مكرهم".
اللغة الوحيدة التي برأيي يجب الاهتمام بها هي الإنكليزية
يعتمد على المجتمع الذي يستقر فيه الشخص، فالذي يعيش ويعمل في بلد روسي مثلا، لن تعتبر الإنجليزية هي الأهم
أختلف معك يا تغريد، فالأمر لا يعتمد على المجتمع أو الموقع الجغرافي الذي يعيش فيه الإنسان، بل على وظيفته وما يقوم به.
نجار أو حداد أو بائع أزهار في روسيا أو في اليابان أو في مصر لن يجد الإنكليزية مفيدة ولا يهمه سوى تعلم مهارات وظيفته فقط، أما المبرمجون والدبلوماسيون وموظفي الشركات متعددة الجنسيات والطيارون وقائدوا السفن والمرشدون السياحيون كل هؤلاء يجب أن يهتموا كثيراً بشأن الإنكليزية حيث هي اللغة الأكثر انتشاراً في كل دول العالم وهي لغة العلم والتقنية والأنظمة العالمية قاطبة.
برأيي فإن اللغة الثانية هي من الأساسيات التي على التلميذ أن يتعلمها. فاليوم وفي عصر العولمة وانفتاح المجتمعات على بعضها أصبحب اللغة الانكليزية مثلا من أهم اللغات في التواصل والتجارة والأعمال. ولكن هناك بعض المدارس التي قدلا تكتفي بذلك يل تدفع متعلميها إلى إتقات لغة ثالث ورابعة بحجة أنها أساسية ومطلوبة. من هنا فأنا أجد أن اللغة الأم واللغة الثانية تكفي المتعلمين وبالتالي فلا داع لإثقال همتهم في ملا يجدوه. فأنا أختلف مع مناهجنا التي تقوم بتدرس كل ما نحتاجه وملا نحتاجه . فالتعليم بالنهاية يهدف إلى تقديم المعرفة التي تفيدنا في حياتنا العملية.وأما غير ذلك فلا جدوى من المزدي من التعلم.
أصبحب اللغة الانكليزية مثلا من أهم اللغات
علينا أن نُدرك أنّ أكثر اللغات انتشاراً واستخداماً لا يعني بالضرورة أنّها أهم اللغات فعلاً، إذ أنّ تحديد هذه الأمور برأيي تأتي بكل تأكيد عبر الطفل أو الشاب بنفسه، هو من يحدد هذه الأمور بناءً على تطلعاته المستقبلية، شاب يريد أن يسافر إلى ألمانيا لإستكمال دراسته، عليه بكل تأكيد أن يستكمل دراسة الألماني لا الإنكليزي أولاً.
تعليم اللغات الأجنبية هي استراتيجية تضعها الحكومات وفق إكراهات سياسية وتاريخية, فسوريا كانت مستعمرة فرنسية في وقت من الأوقات لهذا يتم تعليم الفرنسية, مثلما هو الحال بالدول المغاربية حيث يتم تعلم الفرنسية قسرا لذات الأسباب, ونوقش إضافة الروسية بمدارسكم لأن سوريا سياسيا كانت ولازالت في المعسكر الروسي وهناك مصالح عدة مشتركة, كما بالسعودية لما وقعوا اتفاقية مع الصين لتدريس الصينية بالمدارس لأن هناك مصالح مشتركة بين البلدين, وفي ليبيا قرروا إضافة اللغة الايطالية بالمدارس لأنها مستعمرة إيطالية سابقة...
بالنسبة لسؤالك هل يجب أن تكون اللغات الأجنبية اختيارية؟ بالتأكيد في الحالة المثالية يجب أن تكون اختيارية ولكن هذا لا تحدده مصلحة الطلاب الفردية بقدر ما تحدده المصلحة العليا للبلد, وذلك حسب الاتفاقيات المشتركة بين البلدان. فأحيانا هي التي تحدد ما إذا كان التدريس سيتم بشكل اختياري أم إجباري.
تعليم اللغات الأجنبية هي استراتيجية تضعها الحكومات وفق إكراهات سياسية وتاريخية
لماذا فسرتها هكذا، ففي مصر مثلا لديهم اللغة الإنجليزية تدرس مع العربية من أول صف ثم بالمرحلة الثانوية يخيروا الطلاب لدراسة الفرنسية أو الألمانية وهناك مدارس حاليا تدرس الفرنسية أيضا بالمرحلة الابتدائية. فمصر مثلا من الدول التي لم يطول فيها الاحتلال طويلا إن قورنت بالجزائر مثلا أو المغرب حسبما أذكر، وبنفس الوقت لهجتهم لم تتأثر كثيرا.
مصر عرفت احتلالا بريطانيا يا صديقي لهذا يتم تدريس الانجليزية بالمدارس إجباريا, فعندنا الإجبارية للغة الفرنسية في حين الانجليزية اختيارية بالثانوية مع الألمانية والاسبانية.
تعليم اللغات الأجنبية هي استراتيجية تضعها الحكومات وفق إكراهات سياسية وتاريخية,
كيف ذلك؟ لماذا اذًا اللغة العبرية لم تدرس اجباريًا في دولتي؟ على الرغم من ان مجيء السلطة الفلسطينية كان في عام 1994 ولم تمسك زمام الامور الخاصة بمجال التعليم إلا في ذلك العام؟ فلماذا السلطة هنا لم تجبرنا على دراسة اللغة العبرية بعد مجيئها؟ لماذا لا نقول بأن تدريس اللغة الانجليزية أصبح اجباريًا ليناسب متطلبات سوق العمل و اكتساب معرفة من مصادر معينة قد لا تكون متوفرة باللغة العربية؟
لأنه يا هدى ليس لديكم اتفقيات تعاون وشراكات اقتصادية وسياسية وثقافية كدولة مستقلة مع الكيان الصهيوني, أنتم في حالة نزاع.
تدريس اللغة الإنجليزية موجود بشتى المستعمرات البريطانية منذ أزيد من مائة عام, عربية أو غير عربية, لم يكن الحكام العرب أو بقية المستعمرات تلك الحقبة يفرضون النظام الأنجلوساكسوني أو الفرونكوفوني بالدول العربية من أجل العلم والتطور, بل لأن المستعمرات كانت منقسمة بين هذا وذاك, بافريقيا المستعمرات الانجليزية يفرضون الانجليزية ككينيا ومصر والسودان بل أن دولا فقدت لغاتها المحلية لصالح الانجليزية كجنوب افريقيا التي تعد الانجليزية لغتها الرسمية, في مقابل المستعمرات الفرنسية كمالي والدول المغاربية وغينيا والسينغال وساحل العاج...بعضها أيضا فقد لغاته المحلية لصالح الفرنسية بدول غرب افريقيا كالسينغال التي لغتها الرسمية هي الفرنسية.
لا داعي للقول أن الوزارات العربية فرضت إبان الاستعمار بالقرن الماضي لغة ما من أجل التطور والمعرفة...هذا كلام لا يستقيم يا هدى.
لأنه يا هدى ليس لديكم اتفقيات تعاون وشراكات اقتصادية وسياسية وثقافية كدولة مستقلة مع الكيان الصهيوني, أنتم في حالة نزاع.
عندما وقعت اتفاقية أوسلو كانت هنالك علاقات تعاون بين السلطة والإحتلال، مثلا تم السماح للمساعدات الأوربية للدخول للفلسطينين، تم إدخال عمال إلى الداخل أي اراضي 48، نشر إنشاء قوة شرطة فلسطينية، الهوية والجوا الفلسطينية، اذًا أليس هذه الأمور تحت بند سياسة التعاون ( اي نعم قد يكون الأمر اختلف اليوم ولكن هذا لا ينفي أن هنالك سياسة تعاون سواء كانت اقتصادية أو أمنية) ايضا ان شئنا أم ابينا في عام 1988 اعلن في الجزائر عن استقلال فلسطين. يعني فلسطين تعتبر مستقلة لدى البعض.
ما دخل اتفاقية أوسلو بلغة التدريس؟ هل أي اتفاقية بالكون تتضمن لغة التدريس؟ فرضا حدثت اتفاقية بين أوكرانيا وروسيا لإدخال المساعدات هل سيفرض تدريس لغات بعض؟ هذه اتفاقيات لها علاقة بالصراع, مثل اتفاقيات أي دولتين تعرف صراعا, تتم الاتفاقات بوساطة دول أخرى لإيجاد حل لنقط محددة تخص الصراع وليس اتفاقيات عادية مثل أي دولتين للتعاون معا.
هل زار رئيس الحكومة أو وزير التعليم لديكم وزير التعليم الاسرائيلي وجلسا يلتقطان الصور معا يتصافحان وجلسا يوقعان اتفاقيات تعاون ثقافي واقتصادي كأي دولتين؟
أما تقولي لي اتفاق مؤتمر مدريد أو اتفاق أوسلو أو خارطة الطريق, أو صفقة القرن...فلا أدري صراحة ما هذا الخلط العجيب؟
يعني فلسطين تعتبر مستقلة لدى البعض.
أنا أقصد دولة مستقلة بالنسبة لمن ستوقعون معه اتفاقية تعاون ثقافي, يعني الكيان الصهيوني لا يعتبركم دولة مستقلة كي يوقع معكم شيئا للتعاون.
لأنه يا هدى ليس لديكم اتفقيات تعاون وشراكات اقتصادية وسياسية وثقافية كدولة مستقلة مع الكيان الصهيوني, أنتم في حالة نزاع
أعتقد أنّ الحالة الوحيدة التي فيها سبب منطقي لدراسة فئة كاملة من الأطفال لغة كاملة هي هذه الحالة ورغم ذلك لا أحد يدرّسها، مع أنّها قد تكون طريقة جميلة للردّ على الأكاذيب والكتابات المضادّة وآليات الإخبار والنشر في الصحافة وفهم كيفية تفكير العدو والردّ عليه على الأقل ثقافياً.
يجب أن تكون اختيارية ولكن هذا لا تحدده مصلحة الطلاب الفردية بقدر ما تحدده المصلحة العليا للبلد
ما علاقة المصلحة العليا للبلاد في مسألة الخيار الفردي للشاب بأن يدرس اللغة التي يحتاجها فعلاً؟ أرثي لحالة شاب الصراحة يريد السفر إلى ألمانيا مثلاً وهو يدرس في وقته الحالي وقبل سنة من السفر اللغة الفرنسية، شيء غريب أن تُقحَم مصالح البلاد العليا بالخيارات الشخصية للطُلّاب، يجب على الإنسان أن يكون أكثر تحرراً من هذه المسائل وأن يطرح تعجّبه من هذه الممارسات التي تنتهك الحرية باسم المصلحة العامة ومصالح يجب أن تمررها على حساب المصالح الفردية للناس.
أظنك مثل هدى لم تفهم أنني أشرح المسألة لا غير.
السعودية لما عقدت اتفاقية مع الصين لتدريس الصينية للطلاب, فهي لم تستشر أحدا من الطلاب, وفعلت ذلك من أجل مصلحة البلاد العليا...هل أنا أتفق معها؟ بالتأكيد لا!
أظنك مثل هدى لم تفهم أنني أشرح المسألة لا غير
هدفي دائماً من النقاشات الوصول لأعمق نقطة ممكنة في أي حديث ليصبح ممتعاً، مهتم دائماً بكلام عدّة أصدقاء على حسوب ومنهم حضرتك ولذلك أقوم بالرد مباشرةً ونقل النقاش إلى مستوى أعمق وأعرف أنّ بيننا الحوار فقط والأخذ والرد، تبادل معلومات لا أكثر.
مُهتم جداً بمسألة اللغة، لا يمكنك أن تُصدّق كم هذا أمر مجهد في سوريا، تقريباً نصف دراستنا لغات وفي نهاية المطاف لا نتائج حقيقية على أرض الواقع. حتى أنا حين سجّلت في كليّة الأدب الإنجليزي أخيراً بعد الباكالوريا أرفقوا لي معها لغة أخرى، سألوني ما اللغة الرديفة التي يجب أن تدرسها مع الأدب الإنجليزي؟! قلت ما الخيارات؟ قالوا: روسي - إيطالي - إسباني - فرنسي - قمت باختيار الاسباني. وسألت عن سبب هذا النظام ولم ألقى جواباً حتى من أساتذة الجامعة، الكل يقول هذا هو واقع الأمر هُنا!
ولماذا ننظر إليها بهذه النظرة؟
في ماذا احتجت أنا تطبيق معلومات رياضية دقيقة مثل ساين وكوزاين وأنا متخصصة تحاليل طبية، وماذا استفدت من دراسة نظرية التطور ونظرية تكوين الأرض وماذا استفاد منها طلاب كلية الأسنان مثلًا؟
بينما وللمفارقة يسعى الطالب في مراحل لاحقة (أيًا كان تخصصه)، سعيًا مستمرًا لتعلم لغة ثانية وثالثة أحيانًا، أرى أن هذا يفيد الطالب ويفتح أمامه الكثير من الخيارات والفرص ويوسع مداركه في الاختيار لاحقًا.
وإذا لم يحتج إلى معلومات وأسس هذه اللغة الثانية، فمثلها مثل باقي المعلومات التي يتلقاها ولا يعود لها، ماذا خسر؟
أذكر محاضرًا في كليتنا، كان يحدد لنا أسئلة الامتحان النهائي، ولا يشرح المنهج المقرر، كان هذا الأستاذ يحظى بشعبية عالية بين الطلاب، إلا أنني بعد أن تخرجت شعرت أنه ظلمنا، الطالب كطالب لن يحب الدراسة ولا مسؤوليتها، لكن لاحقًا سيقدر قيمة ما تعلمه.
وبذات منطق استفسار حضرتك هنا:
هل يجب علينا أن نتعلّم قسراً لغة أخرى بالمدرسة
هل من حق الأهل تعليم أولادهم قسرًا؟
وإذا لم يحتج إلى معلومات وأسس هذه اللغة الثانية، فمثلها مثل باقي المعلومات التي يتلقاها ولا يعود لها، ماذا خسر؟
في مسائل التعليم والتثقيف والتربية ليس السؤال الأوّل فعلاً: ماذا خسر؟ - بل ماذا ربح؟ ماذا استفاد؟ وما الذي فعلاً أرفقناه في حياة الطفل أو الشاب كأداة حياتية فعالية أو في سوق العمل. الجواب للصراحة دائماً لا شيء، بسبب الحشو الغير مبرر والذي ليس لهُ أي معنى عادةً، هذا سبب الأمر، ترى الشاب العربي يدرس 12 سنة 3 لغات - عربي وإنجليزي ولغة رديفة وفي الغالب لا يعرف كيف يشكّل جملة بالعربي ولا يعرف أن يتحادث بالإنجليزي، ما نسبة المُتخرّجين من المدارس القادرين على إقامة محادثة فعلية في الإنجليزية؟ أنا أقول لحضرتك، لا يتعدّى 10% من الطلّاب وبالغالب مدارسهم تكون خاصّة، هذا بالضبط ما يخسر الطلّاب في الأمر: الوقت، العمر الذي يمضي.
ورغم اتفاقي التام مع كلام حضرتك إلا أني ما زلت أرى أن تعلم لغة جديدة قد يساعد بطريقة أو بأخرى في فتح أبواب وآفاق وفرص مختلفة، بعكس الحشو في مجالات علمية أخرى.
يبدو أن اختلافاتنا متمحورة حول فهمنا للأمور، أنا أرى المعرفة الزائدة في المجالات العلمية الأخرى ثقافة وخلفية عامة يحتاجها كل طالب، وحضرتك ترينها حشو (طبعاً هنا لا أنكر بعض الحشو فعلاً). بالإضافة إلى ذلك أنا أرى أنّ تعلّم اللغة الثانية أمر يجب أن يكون بالطلب وبالرغبة وحضرتك ترينها أداة تفتح أبواباً من الفرص والمكاسب والآفاق الجديدة، لذلك أشعر بأننا نحن الاثنين محقّين ولكن كل شخص من زاويته الخاصّة لرؤية الأمور.
هذا موضوع مثير للجدل والنقاش، ولا أظن أن هناك إجابة واحدة صحيحة لهذا السؤال.
ففي الوقت الحاضر، اللغات الأجنبية أصبحت أكثر أهمية وتأثيرًا في حياتنا العملية والثقافية، وقد تكون اللغة الإنجليزية مثلاً ضرورية للعمل في بعض الوظائف أو للدراسة في بعض الجامعات. وتعلم لغات أخرى يوسع آفاقنا ويساعدنا في التواصل مع الآخرين من خلفيات ثقافية مختلفة. وأيضا، هناك فترة صغيرة ذهبية، ومتاحة للأطفال حتى يتعلموا اللغات بسهولة وهو في سن يسمح لهم بذلك، إذ يصبح تعلم اللغات بعدها أكثر صعوبة، وتحديا.
مع ذلك، ربما يحب أن يكون تعلم اللغات الأجنبية اختياريًا للطلاب وليس إلزاميًا، حتى يتمكن الطلاب من تحديد أولوياتهم التعليمية والثقافية وفقًا لاهتماماتهم الشخصية وأهدافهم في الحياة. ويمكن تقديم دورات تعليمية اختيارية للغات الأجنبية في المدارس والجامعات، بحيث يتمكن الطلاب من اختيار اللغة التي يرغبون في تعلمها وفقاً لاهتماماتهم واحتياجاتهم.
في النهاية، يجب أن يتم تحديد سياسات التعليم والتعلم للغات الأجنبية بشكل يتناسب مع ظروف واحتياجات الطلاب ومجتمعاتهم، ويجب توفير الدعم والموارد اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، ويجب أن تكون الأولوية دائما للغة الأولى.
هناك فترة صغيرة ذهبية، ومتاحة للأطفال حتى يتعلموا اللغات بسهولة وهو في سن يسمح لهم بذلك، إذ يصبح تعلم اللغات بعدها أكثر صعوبة، وتحديا.
هذا برأيي كلام تعوّدنا أن نقوله دون أن نعرف فعلاً أن لا أثر لهُ في الحقيقة، كلام غير واقعي، لم نقم بقياسه فعلاً، نلقيه دون أن ندرك فعلاً مدى عمقه أو عدم عمقه، برأيي لا فترات ذهبية لتعلّم الإنجليزية أو غيرها من اللغات، الأمر غير متعلق بالعمر في ما يتعلق بمسألة الدراسة والتعلّم.
ولأثبت كلامي، كم نسبة الطلّاب الذين يخرجون من المدرسة وهم يتقنون اللغة الإنجليزية بعد 12 سنة تعليم كاملة؟ أنا أقول لحضرتك، ليس أكثر من 10% على أكثر تقدير، والآن ما الذي يحل بالنسبة الذهبية في هذا النوع من الإحصائات، يصبح الأمر مؤكداً بأنّها عبارة نرددها ولم نلقي فعلاً بالاً لها ولنجاحها فعلاً في مجتمعاتنا وأطفالنا.
أعتقد أن تعليم لغة ثانية بجانب العربية في المدارس أمر مفروغ منه واللغة الثانية عادة تكون الانجليزية لأنها لغة العصر بالتأكيد، أما بخصوص كلامك عن الفرنسية والروسية فلا أرى جدوى من ذلك بكل صراحة لأنها لغات لا نستطيع الاستفادة منها في عالمنا العربي وحتى ليست من اللغات الرائدة على مستوى العالم
أعتقد أن الأمر كان ليسبب لي الضيق في تعلم هذه اللغات
لا أمانع نهائياً بتعليم الإنجليزية لإنّها لغة عالمية الآن لا بديل لها نهائياً، إذ يمكن تحويلها أصلاً كمادة من المواد المفروضة، ولكن بالنسبة للغات الأخرى فالأمر غريب، حيث تفاجئت بالسؤال عن هذا الأمر ومعرفة أنّ كل البلدان العربية تقوم بتدريس ثلاثة لغات عادةً في كل مرحلة عمرية، العربي والإنجليزي ولغة رديفة.
التعليقات