.نعم، ندين للشبكات الإجتماعية - Social Media بكثير من الفضل في اختصار المسافات وتحسين التواصل بين البشر وجعل العالم مكانًا أكثر انفتاحًا، بل وحتى في نجاح الكثير من المشاريع والأعمال..حتى أن المرء ينسى أحيانًا كيف كانت حياته قبل اختراع الواتساب أو الفيس بوك مثلًا..

عايش جيلنا المحظوظ (والمسكين في نفس الوقت) حقبة تحتاج فيها إلى استخدام الهاتف الأرضي العتيق للوصول إلى أحدهم بإحتمالية كبيرة في فشل المحاولة وبالتالي فشل خطة كاملة في اللقاء أو قضاء حاجة متعجلة .. إلى حقبة تضج بتطبيقات تمكّنك من الوصول إلى أي شخص في أي وقت مهما كان، و عرض أدق ما يدور في حياتك الشخصية والمهنية بل والعاطفية كذلك على ملايين الأشخاص حول العالم لا تعرف حتى اسماءهم.

بما أن الهدف الرئيسي وراء هذه المنصات كان زيادة الانفتاح وتوفير فرص أكبر في الحياة والربط بين سكان الأرض بسهولة وبشكل مجاني، وبالرغم من نجاحها الباهر بهذا الصدد..إلا أن الحقيقة تحمل وجهًا قبيحًا لا يمكن إنكاره.

1) الشبكات الإجتماعية تجعلك شخصًا وحيدًا. برغم أنك قد تمتلك المئات من الأصدقاء في قائمة المتصلين، وبرغم عشرات (وأحيانًا آلاف) الإعجابات والتعليقات على منشوراتك وصورك الشخصية.

ثبت أن الذين ينغمرون بكثافة في الحياة الافتراضية هم في الواقع يطوّرون شعورًا بالوحدة والبرودة الداخلية، وهي المسؤولة عن فساد العديد من العلاقات، والتي يرجع سببها إلى إغفال العامل الإنساني في التواصل البشري الطبيعي كرؤية تعابير الوجه أو لغة الجسد أو المصافحة والعناق.

2) تجعلك شخصًا مشتتًا. يقال أن الشخص العادي (غير المدمن) يطالع هاتفه أكثر من 80 مرة في اليوم الواحد.

احسب عدد المرات التي تتفقد فيها هاتفك أثناء العمل أو في حياتك اليومية، وفجأة تجد نفسك قد قضيت نصف أو ساعة كاملة دون هدف. فسرعان ما تبدأ في العمل، حتى تسمع جرس إشعار الرسائل أو التعليقات أو المنشورات الجديدة، فتظل في حالة مقاومة نفسية حتى تخضع في النهاية لإغراء مطالعتهم، فتفقد تركيزك تمامًا!

وعلى الناحية الشخصية، تذكر متى كانت آخر مرة اجتمعت فيها بالرفاق ولم يطالع أحدكم هاتفه؟ فعلى سبيل المثال، تجلس مع الأصدقاء، فتوثّق التجمُّع بصورة على الانستجرام وتنشغل بعدها بمتابعة عدّاد الإعجابات وتنسى بالفعل الاهتمام بمَن توثّقهم!

تجعلك -بشكلٍ ما- مهتمًا بالتواصل مع الأشخاص البعيدين عنك، ومهملًا لمن هم بالقرب منك بالفعل.

ولعلك بالكاد نجوت مرة واحدة على الأقل من حادث وشيك بسبب مطالعتك الهاتف وعندم انتباهك للسيارة المسرعة مباشرة إليك!

3) تعزّز من شعورك بعدم الكفاءة. فمع إمكانية مطالعة تجارب وتفاصيل حياة الآخرين كلها، مَن تعرفهم ومَن لا تعرفهم، والتي يعمد الكثير لإظهار جانبها المشرق فقط، تنصب بشكل تلقائي مقارنة بين حياتك وحياتهم، وقد تشعر بالدونية وعدم الكفاءة وبالتالي السخط على حياتك بأسرها.

يقود هذا البعض إلى بذل مجهودات ضخمة وغير مبررة لإبراز حياتهم على أكثر صورة مثالية ممكنة، بل والتضحية بكثير من الأساسيات فقط لتقديم (لقطة) مثالية من حياتهم. حتى ولو كان هذا على حساب خصوصياتهم وخصوصيات أحبّائهم.

4) تسبب الاكتئاب. مع كل ما سبق، وبجانب التأرجح العنيف في المشاعر بسبب ما يمكن الإطّلاع عليه من أخبار الحروب والحوادث والوفيات، ثم الاصطدام مباشرةً بمقاطع قطط طريفة ومقالب فكاهية!

إنعدام الإتزان العاطفي هذا يعزّز الشعور بفقد قيمة ومعنى أي شيء ويرفع من الشعور بالوحشة والعجز والكآبة. حيث تحرمك من فهم مشاعرك وتقبّلها ومعايشتها، فتصطدمك بمحفّزات جديدة تثير مشاعر مضادة تمامًا.

باختصار شديد، وبخلاصة دراسات نفسية عديدة، فإن الشبكات الاجتماعية تجعلك مهتمًا بتوثيق اللحظة بدلًا من الاستمتاع بها بالفعل..تشتت تركيزك عن الأشياء الأكثر أهمية في حياتك كالعائلة والأصدقاء والعمل، والإنغماس في التصفّح اللانهائي وتتبّع حياة الآخرين بدلًا من الاهتمام بشئونك الخاصة..تعوّدك على البحث عن الدعم الخارجي بدلًا من تعزيزه بنفسك..تفصلك عن الواقع وتفاصيله وتكون مهربك من المآزق التي تمر بها للحصول على نشوة مؤقتة..

شئنا أم أبينا، فقد وقعنا جميعًا في إحدى أو كل هذه الأعراض، والهدف ليس الانقطاع التام عنها ، فالأصل هو عدم الإفراط أو التفريط، بل في تقنينها والسيطرة عليها بدلا من تمكينها من السيطرة علينا..

والآن اخبرني..كيف تجد الشبكات الاجتماعية قد أثّرت سلبًا على حياتك أو حياة المحيطين بك؟