النقاشات حول الإعجاز العلمي هي نقاشات مثيرة وصدامية وتتسم بالمناوشات، وقد يصل الأمر إلى حد التكفير من اتجاه أو الإتهام بالتخلف والرجعية من اتجاه آخر. على كلٍ سأقوم بعرض وجهة نظري كشخص يعمل في مجال الصحافة العلمية وتوصيل العلوم فيما يخص مصطلح الإعجاز العلمي وأتمنى أن تكون النقاشات بناءة ومنطقية سواءً اتفقنا أو اختلفنا جميعًا في وجهات النظر.
الحديث عن الإعجاز العلمي ليس أمرًا حديثًا يقوم به عمرو خالد على سبيل المثال، بل هو أمر قديم ويقوم به العديد من رجال الدين حيث يقومون بالإدعاء بأن الإنجازات العلمية التي يتوصل إليها العلماء هي أمور مثبتة في الدين والكتب السماوية وذلك بهدف استخدام العلم في إثبات صحة الدين. لكن الحقيقة على عكس هذا الأمر تمامًا.
حتى نتحدث عن الإعجاز العلمي ينبغي أولًا التفريق بين منهج العلم و منهج الدين، فكلٍ منهما منهج قائم بذاته ومختلف عن الآخر. العلم منهج قائم على الشك فلا يمكننا التصديق بكل نتيجة يتوصل إليها عالم أو يتم نشرها في بحث بل تحتاج إلى مئات وآلاف الأبحاث التي تدعمها حتى نثق في هذه النتائج، فلا يوجد أي مسلمات في هذا المنهج وكلما كنت تشككيًا وأكثر قدرة على تحليل النتائج كلما كنت أكثر قدرة على الوصول إلى الفهم الصحيح للعلم. أما الدين فهو منهج قائم على الإزعان والتصديق، وليس على الشك على عكس العلم.
لذا خلط المنهجين ببعض لإثبات صحة الدين هو أمر لا يصب في صالح الدين بل على العكس تمامًا يضر بالدين. لماذا؟ لأن العلم منهج متقلب وقائم على الشك كما ذكرت وقد تتغير النتائج التي توصلنا إليها اليوم وتم استخدامها واقرانها بأنها إعجاز علمي ويتم استبدالها غدًا بأبحاث ونتائج أكثر تطورًا ورصانة ودقة علمية. حينها إذا تغيرت نتائج الأبحاث العلمية التي استخدمناها هل هذا يضر بالدين أم لا؟ بالتأكيد :)
الأمر الثاني الذي يجب الالتفات إليه هو المقصود بالعلم ذاته. حينما نقول أن الإنسان لديه عينين اثنين فهذه ليست عِلم بل هي معلومة عامّة وثقافية. أما المقصود بالعلم والمنهج العلمي هو ما يحدث وراء الكواليس، الآليات التي تتم بها الأمور والتي عادة تكون معقدة. آلية عمل العين، كيف يضخ القلب الدم، كيف تتكون الجينات، ومما يتكون الضوء، وكيف تؤثر درجة الحرارة على التغير المناخي، وكيف تعمل نظرية النسبية...القائمة تطول. هذا هو المقصود بالعلم من وجهة نظري.
هذه الأمور بالطبع إن افترضنا أن ما يتم الترويج إليه على أنه اعجاز علمي هي أمور علمية بالفعل ولديها أدلة وتستند على مصادر، لكن ما يحدث ليس له أساس علمي من الأصل. على سبيل المثال عندما طالعنا عمرو خالد من أيام قليلة ليقول أن الجاذبية «تأتي من فوق وليس من تحت» فضلًا عن كونه يقول هراءً عن فيزياء الكوانتم، هل هذا يضيف أي شيء للدين؟ لا للأسف بل هو يضر بالدين ويزيد الوضع سوءً على الأخص حينما يقوم المتخصصون في العلوم بتوضيح الهراء الذي قام بنشره وأنه يقول كذبًا ليس إلا. هذه الأمور تجعل الدين يظهر ضعيفًا وأنه ليس هناك ما يدعمه نظرًا لقيام بعض الأشخاص بمحاولة طي العلم وتطويعه لخدمة أهداف الدين في حين أن لكلٍ منهما منهجًا وليس شرطًا أن يتعارضا أو يتقابلا.
إذا كنت تريد الترويج للدين فقم بالترويج له عن طريق القيم والأخلاق التي يدعو إليها وليس عن طريق تزييف الحقائق ومحاولة إظهار الدين في مظهر العاجز الذي يحتاج إلى أدلة من منهج غير منهجه حتى يستند عليها. لذا أؤمن بكل قوة أنه ليس هناك ما يسمى بالإعجاز العلمي وأن هذا الأمر ليس له أهمية ولا يضيف إلى الدين أو العلم بل يضر بكلاهما.
ماذا عنكم؟ ما هو رأيكم بخصوص هذا الأمر؟
التعليقات