يثير فضولي هذا الموضوع منذ فترة ليست بالقليلة و يبدو أن السؤال أصبح أكثر إلحاحاً اليوم..

الألقاب تُسهّل التعريف عن ذاتك بلا شك، تذهب إلى مكان عمل فتعرف عن نفسك بأنك أستاذ رياضيات مثلاً و تكتفي بهذا فقد أصبح مفهوماً للعاملين معك ما هو مجالك. وهذا بهذه الحالة كافٍ تماماً.

و لكن ماذا عن المستوى الإنساني الأعمق من هذا، الأعمق من العمل ، اللون، الحالة الصحيّة أو حتى الإجتماعية...في كل مرة نُصرّ أن نصنع المزيد من الفروقات و المزيد من الجماعات التي يصغر عدد أفرادها مع كل فرق و عائق نضعه و تزداد تخصصاُ و إنغلاقاً..

أتفهم ضرورة الشعور بالإنتماء لجماعة ما ، و لكن بدأت أشعر أننا نُصغّر طوعاً من الأفراد في كل جماعة حتى تسنح للفرد فرصة للتميز على هذه المجموعة الصغيرة، فالمنافسة تحت مِظلة الإنسانية الأكبر محتدمة.


لأوضح ما أعنيه بمثال:

الأم أو الأب بعد أن يصبح لديهم طفل يًكَنوا بإسمه، فينادى الأب مثلاُ بأبي كنان، و يصبح هذا اللقب ملتصقاُ به حتى ينسى اسمه الشخصي.

مثال آخر:

في دعوات الزفاف خاصة تجد الداعي يُعرف عن نفسه بالمهندس أو الدكتور أو المحامي...

مثال آخر:

شخص مثلاُ لديه إعاقة جسدية و يعمل في مصلحة ما فيدرج على كلام الناس سواءً سراً أو علناً أنه الأعمى أو الأعرج أو.....، أو يعرف عن نفسه بأنه من ذوي الحاجات الخاصة في كل مناسبة..


قبل أن أصبح أم فلان، كنت شخصاُ و لا زلت شخصاُ و لا يعني هذا أن أحصر نفسي في عنوان فرعي لذاتي الأشمل. بكل ما هي الأبوة رائعة أو الأمومة لا يعني أن أحصر نفسي و اهتماماتي في طفل يدور حوله العالم، في طفل يكبر و يرحل و بعد أن يرحل تتذكر أن كل هذه الحياة التي دارت حوله كانت صغيرة جداً لأنك نسيت ذاتك الأكبر.

قبل أن تكون مهندساً أو طبيباً كنت شخصاُ شاملاً لصفات كثيرة جداً، لماذا تصر أن تضع عنوان لا يمثل منك إلا 15% ؟ و إذا كانت قيمتك تقاس بمهنتك و لهذا تقدمها في التعريف عن ذاتك، إذا كانت مهمة هكذا، ما هي قيمتك إن تقاعدت أو فقدت قدرتك على العمل لأي سبب كان؟

لو ولد هذا الشخص بإعاقة ما ، و تجاوز أمرها أو أدار حياته بكل ما أوتي من قوة لكي يصبح شخصاُ فاعلاً في المجتمع، لمَ يجب أن نُذكره بهذا في كل مناسبة؟ أو لمَ يجب أن يذكرنا بهذا بكل مناسبة؟

هل تعب ليصل لهذا المنصب أو العمل؟ بالطبع فعل، و كان عليه بذل جهد مضاعف ليعوض من نقص معين، طالما أنه تدبر أمره ليصبح قوياً لمَ يجب أن نذكره بما يمر به و بما مرّ به؟

أليس من الأجدى أن يُعامل كشخص فعّال دون النظر لحالته الصحية التي "تجاوزها"؟

أرفض أن أعامل أي شخص بعطف بسبب نقص جسمي ،و إن اعتقدت هذا، لأنني لا أرى سوى شخص كامل أمامي مكلف بعمل في حدود قدرته الجسدية و عليه أي تهاون في أداء واجبه نقص منه، و أي تهاون في عدم لفت نظره لأخطاءه شفقة لا داعي لها.

نصر أن نغالي في مآسينا حتى يكون الفوز بالنهاية براقاً هكذا مستحقاً لكل التعب!

أرفص كل هذه الألقاب و لا أفضل أن أحصر نفسي في شيء، أنا رُبى فقط، من أنت؟