في كل مرة تبرز امرأة بذكاءوحزم و قدرة على اتخاذ القرار، أو نجاح غير قابل للتشكيك… يخرج أحدهم ويقول الجملة الشهيرة : أنها مترجلة أو انها شبيهة بالرجال، وكأن القوة شيء خارج طبيعة النساء وغريب عن المرأة أن تكون قوية ، الأغلبية من الناس لا ينفهم القوة إلا من خلال قالب ذكوري واحد، لذلك أي أمرأة تريد النجاح والحياة الكريمة لنفسها ستسأل منذ بداية حياتها سؤال بديهي :

هل المشكلة في قوة المرأة… أم في هشاشة التصور الاجتماعي عن الرجولة والأنوثة؟

عندما نقول عن امرأة ناجحة إنها رجل، وعندنا في الدولة المغاربية نقول -عيشة راجل- ، فنحن نكشف عن تحيّز خطير مفاده أن القوة ليست قيمة إنسانية، بل هي قيمة جنسية يحتكرها الجنس كملكية ذكورية؛ وأن المرأة القوية تهدد الصحة النفسية واجتماعية العامة، لأنه اُعتيدت أن تُرى المرأة في موقع التبعية، لا في موقع الفعل، ومع أنها كانت طول التاريخ البشري عاملة مجتهدة بل وأكثر كداً من الرجل في الكثير من الحضارات، مع ذلك يتم التنكر لها وتقديمها في صورة المتلقية السلبية، فهي- في رأي السائد- مجرد مستقبلة غير فاعلة بينما الرجل فاعل معطي ومنتج وبالتالي قوي ومستفرد بالقوة عليها.

والأغرب أن الرجل لا يستفرد بنوع معين من القوة، بل يحتكر كل أنواع القوة، ليس فقط القوة الجسدية، بل حتى القوة الخطابية، القوة العقلية، القوة النفسية، وحتى الجمالية والعلمية، وعلى المرأة أن لا تعمل على محاولة اكتساب نوع من أنواع هذه القوة حتى لا تفقد أنوثتها، فالمرأة التي تريد بناء جسم رياضي عضلي، يتم التهكم عليها بأن العضلات للرجال! والمرأة التي تمتلك قدرة على الخطابة والفصاحة والجرأة اللغوية والفكرية يقال أنها وقحة ومتجرأة وفاقدة للأنوثة والتهذيب، لان من علامات الأنوثة النعومة وعدم مجارات الرجال أو منافستهم ، حتى في الجماليات مثل الألبسة ومظاهر تصفيف الشعر مثلا لا يحق للمرأة أن تلبس ألبسة تشبه فيها بالرجال لأن ألبست الرجال جزء من قوتهم وانطلاقهم، فلسنوات طويلة جدا، كان يمنع على المرأة لبس السروال، لأن السروال رمز ذكوري للقوة والحرية والقدرة، نفس الشيء بالنسبة لقصة الشعر أو تصفيفة الشعر لا يحق للمرأة أن تقص شعرها، لأن الشعر القصير هو علامة على انطلاقة الذكور وصلابتهم، لكن لا يُنكر على الرجل أن يطيل شعره دون أن يتم نعته بالأنوثة بل تقدمون ذلك كرمز على تحضر الرجل وكماله، على العكس عادة ما يقال للرجل طويل الشعر بأنه أشبه بالشعراء الجاهليين والصحابة والفنانين وكأن نفس الرموز لا يؤدي نفس المعاني

ما يؤلم في الموضوع كله، هو أن أن كثيرًا من النساء أنفسهن يعدن هذه الهيمة الذكورية ويتدافعن عن هذه الأفكار ويتبين فكرة أنهن ضعيفات فارغات… بل ويحاولن جاهدات أن يعاقبن كل امرأة تكسر الحدود القديمة التي رسّختها الثقافة، فتسعين جاهدات لنبذ أي إمرأة تحاول كسر هذه الأنماط الفكرية البالية، لكن بمجرد أن تظهر أمرأة قوية في حياتهن، سيشعرن من الداخل بالإجلال والرغبة العارمة في أن يكن مثلها، وهذا ما سيتحول علاقة المرأة الضعيفة بالمرأة القوية إلى علاقة غيرة وصراع، بحيث ترغب الأولى في عيش حياة الثانية، لكنها لا تريد أن يتم مهاجمتها أو تهديدها أو أن تكون محل هجوم من المجتمع كما هي حالة الثانية .