*"خوف الأطفال من الظلام: جذوره، أسبابه، وتوجيهات تربوية للتعامل معه"*

يُعدّ الخوف من الظلام من أكثر أنواع الخوف شيوعًا لدى الأطفال، خصوصًا في مرحلة الطفولة المتوسطة (6-12 سنة).

ويبدأ في كثير من الاحيان قبل سن السادسة

وقد يبدو للبعض أنه أمر بسيط أو "مرحلة مؤقتة"، لكن تجاهله أو التعامل معه بشكل خاطئ قد يترك أثرًا طويل الأمد على نفسية الطفل.

*1. كيف يتشكل الخوف من الظلام عند الطفل؟*

- *تخيّل الطفل النشط:* 

 يبدأ الطفل، خاصة بين عمر 3-12 سنة، في استخدام خياله بشكل واسع. ومع غياب الرؤية في الظلام، يبدأ في تخيّل أشياء مرعبة (وحوش، لصوص، أشباح...) نتيجة فراغ بصري يملؤه بمخاوفه ونتيجة تخويف الكبار له من الظلام وزعزعة استقراره بخلق الكثير من الشخصيات الزائفة والمخيفة للطفل.

- *قصص وأفلام مرعبة:* 

 مشاهدة محتوى مخيف أو سماع قصص مرعبة، حتى لو بدا أنها "بسيطة"، يمكن أن تزرع في الطفل قلقًا مرتبطًا بالليل والظلمة.

- *تعليقات الكبار المخيفة:* 

 مثل: "اللي ما بينام بياكله الوحش"، أو "في ناس بتخطف الأولاد بالليل"، هذه العبارات تُخزّن في اللاوعي وتُشكّل قاعدة للخوف الليلي.

---

*2. ما أسباب خوف الأطفال من الظلام؟*

- *الخيال المبالغ فيه مع ضعف الخبرة الواقعية.* 

- *الإحساس بالوحدة والانعزال ليلاً.* 

- *تجارب سابقة مؤذية في الليل (صراخ، صوت مخيف...).* 

- *مشاكل أسرية أو توتر في المنزل يظهر عند النوم.*

- *سلوك الآباء المبالغ في الحماية أو القلق.*

---

*3. هل العامل الوراثي يزيد من هذا الخوف؟*

نعم، *العامل الوراثي قد يلعب دورًا غير مباشرًا.* 

إذا كان أحد الوالدين يعاني من القلق أو الرهاب، فمن المحتمل أن الطفل يرث الاستعداد البيولوجي للشعور بالخوف، وخاصة إن رأى والده/والدته يتصرفان بخوف أو توتر تجاه مواقف معينة.

*4. هل طريقتنا في التربية تعزز هذا الخوف؟*

نعم. بعض الأنماط التربوية *تُعمّق الخوف* عند الطفل، مثل:

- *التهديد والتخويف في التربية.

-*ربط الرجولة بالخرف (انت رجال مالازم تخاف).

- *السخرية من مشاعر الطفل ("كبرت ولسا بتخاف؟").

- *الإهمال وعدم الاهتمام بمشاعر الخوف. 

- *غياب روتين نوم آمن وواضح. 

- *المبالغة في الحماية:* كأن لا يُترك الطفل وحده أبدًا أو يُقال له باستمرار "الدنيا خطيرة".

---

*5. كيف يتطور هذا الخوف إن لم يُعالَج؟

- *أرق دائم ومقاومة النوم.* 

- *تعلّق مفرط بالوالدين.* 

- *كوابيس متكررة أو اضطرابات نوم.* 

- *قلق عام قد يتوسع لأماكن مغلقة أو الانفصال عن الأهل.* 

- *انخفاض الثقة بالنفس والخوف من الاستقلالية.*

-*التعرض للاكتئاب ومخاطره.*

-*التعرض لنوبات الخوف والهلع والزعر.*

---

*6. كيف نُعالج خوف الطفل من الظلام؟*

*أولاً: التفهّم وعدم السخرية* 

– الاستماع لمشاعر الطفل دون تقليل أو تجاهل. 

– "أفهم أنك تخاف، وأنا هنا لأساعدك".

*ثانياً: التدرّج والتعريض الآمن* 

– استخدام ضوء خافت، ثم التدرج في تخفيفه. 

– تمرينات بسيطة مثل البقاء 5 دقائق في غرفة شبه مظلمة مع الأب/الأم.

*ثالثاً: منح أدوات للسيطرة* 

– مصباح صغير بجانب السرير.

– لعبة أو غرض مفضل يعزز الأمان.

*رابعاً: إنشاء روتين نوم مطمئن* 

– ساعة هادئة قبل النوم (قراءة قصة، موسيقى ناعمة،سماع القرآن). 

– تجنب الشاشات ومحتوى العنف ليلاً.

*خامساً: تمارين تخيّل إيجابي قبل النوم* 

– تخيّل أماكن مريحة أو مواقف مبهجة. 

– مشاركة قصة عن "طفل شجاع" كان يخاف وتغلب على خوفه.

---

*7. أسئلة مهمة يطرحها الأهل:*

*– هل يجب أن أصرّ على أن ينام في الظلام؟* 

لا. الضغط يولّد مقاومة وخوفاً أكبر. الحل تدريجي.

*– هل الخوف يعني مشكلة نفسية؟* 

ليس بالضرورة. إن كان الخوف طبيعيًا لا يؤثر على الحياة اليومية، فهو ضمن النطاق المقبول. أما إن ازداد ورافقه أعراض أخرى، فاستشارة مختص ضرورية.

*– متى يجب القلق؟* 

إذا استمر الخوف بعد سن 12، أو سبّب أرقًا شديدًا، نوبات هلع، أو أثّر على الدراسة والعلاقات.

---

خوف الطفل من الظلام ليس ضعفًا… بل رسالة. 

هو يُخبرنا أنه بحاجة للأمان، للطمأنينة، ولوجودنا إلى جانبه. إن استمعنا، واحتوينا، ورافقناه بلطف، سنُحوله من طفل خائف إلى إنسان واثق يعرف أن الظلام ليس دائمًا مخيفًا… وأن النور يبدأ من داخلنا.

الخوف من الظلام عند الأطفال لا ينشأ فقط من تخيلاتهم أو تجاربهم الفردية، بل يتأثر بشكل كبير بالعوامل *الاجتماعية* المحيطة بهم، مثل الأسرة والمجتمع ووسائل الإعلام.

إليك *أبرز الأثر الاجتماعي على خوف الطفل من الظلام*:

---

1. *الأسرة ودورها:*

- *النمذجة السلوكية:* إذا رأى الطفل أحد والديه يخاف من الظلام أو يتجنب أماكن مظلمة، سيتعلّم ذلك تلقائيًا.

- *القصص المخيفة:* رواية الحكايات عن "الجن أو الأشباح" في الظلام تُغرس هذا الخوف في ذهن الطفل.

- *الأسلوب التربوي:* التهديد بـ"الحبس في الظلام" كوسيلة عقاب يعزّز هذا الرعب.

---

2. *وسائل الإعلام والمجتمع:*

- *الرسوم المتحركة أو الأفلام:* مشاهد الرعب المرتبطة بالليل أو الظلام، حتى لو كانت بسيطة، تؤثر على خيال الطفل.

- *حديث الأقران:* قد يسمع الطفل من زملائه قصصًا مخيفة عن الظلام في المدرسة أو الحي.

---

3. *نقص الدعم النفسي الاجتماعي:*

- عدم الحديث مع الطفل بلغة مطمئنة عن الظلام يتركه فريسة لمخاوفه.

- تجاهل الخوف أو السخرية منه يجعله أكثر تعقيدًا بدل أن يختفي.

---

الخوف من الظلام ليس مجرد مرحلة طبيعية، بل سلوك اجتماعي مكتسب غالبًا. 

لذلك، يحتاج الطفل إلى *بيئة تربوية آمنة*، وأهل واعين، ومجتمع يقدّم الطمأنينة لا التهديد.

د.محمود بشير اوغلو

استشاري نفسي اكلينيكي