ذات مساء، حين انطفأت المدينة إلا من صوت السيارات البعيدة، أنا أثق بك" جملةً اعتقدت أنني لن أسمعها أبدًا.

قيلت لي بعد سنواتٍ من الشك، من الأسئلة المبطّنة، من التحقّق خلفي بصمتٍ لا يُقال، لكن يُشعر… وبعد كل شيء، قالها.

ابتسمت حينها، لكن في قلبي لم تزهر تلك الكلمات كما توقّع. ربما لأن الجملة جاءت متأخرة… وربما لأنني كنت أحتاجها حين كنت أختنق من سوء الظن، لا الآن.

لقد تعبتُ من محاولة إثبات نفسي. كل موقف مررت به، كنت فيه صادقًا، شريفًا، أمينًا، كان يُعامل على أنه "مجرد صدفة". وكل غلطة بسيطة، حتى تلك التي لم تكن غلطة، كانت تُسجَّل كدليل ضدي.

كنتُ إنسانًا يجرّ معه سجلًا من الأفعال النبيلة، ولا يُفتح منه إلا الصفحة التي التبست.

هل تعرف كم مرة قلت لنفسي:

"لا بأس… مع الوقت سيفهمون من أنا"؟

لكني كبرتُ، وكبر داخلي التعب من التبرير، والانتظار.

صرت أراقب كيف يثق الناس بالكذاب إن أحسن التمثيل، ويشكّون بالصادق إن كان قليل الكلام. كيف تُبنى الثقة عند البعض على اللطف المصطنع، لا على المواقف حين تكون وحدك وسط العاصفة.

الصدق… لم يعد كافيًا. بل حتى الصمت صار جريمة. أتذكّر تلك الليلة التي لم أتحدث فيها لأنني كنت متعبًا، فاتهموني بأنني أُخفي شيئًا… ولم يعرفوا أنني كنت فقط أُخبّئ دمعتي الأخيرة.

أثق بك؟ جميل أنك قلتها الآن…

لكنني لم أعد بحاجة لها، لأنني صنعت لنفسي درعًا من اللامبالاة. لا لأنني لا أشعر… بل لأنني شعرت كثيرًا، بما يكفي. كنتُ أريد أن أكون إنسانًا يُؤمن به الآخرون، لكنني تعلّمت أن أُؤمن بنفسي فقط. فالثقة التي لا تأتي في وقتها، لا تشفي… بل تُذكّرك

بكل جرحٍ أحدثه غيابها.