في مكان ليس ببعيد ما على سكة حديدية، في زمنٍ قريب، كان هناك قطار…

ولم يكن قطارًا عاديًا. يزمجر كالثور الهائج، يشق طريقه بين القرى والمدن، لا وجهة له، لا كوابح فيه، ولا أحد يعرف بالضبط من سمح له بالانطلاق.

أول محاولة لإيقاف القطار كانت عبر الاستيلاء عليه. مجموعة من "الناشطين" قرروا الصعود على سطح القطار وسط هتافات الجماهير. أحدهم رفع لافتة كُتب عليها "دعونا نُسَيِّر القطار إلى المستقبل"، والآخر صرخ "نحن القبطان الآن!"، ثم اكتشفوا أن لا أحد منهم يعرف كيف تُساق القطارات، فقاموا بالتصويت على اتجاه السير، وانقسموا نصفين… النصف الآخر قفز من القطار.

بعدها جاءت محاولة وضع العوائق… وضعوا كراسي بلاستيكية، لافتات، وحتى صورة أحد الوزراء السابقين أمام السكة. والنتيجة؟ القطار لم يبطئ، بل دهس كل شيء، بما في ذلك اللافتة التي كُتب عليها "سنوقفه ولو بالحوار".

ثم خرج أحدهم ليُعلن القلق. نعم، القلق. فقد وقف بثقة أمام الكاميرات، وقال: "نُعرب عن قلقنا الشديد من تسارع هذا القطار"، ثم انسحب للتغريد على منصة إيكس.

وفي تطور درامي، تم اقتراح قتل السائق. نُفّذت العملية بنجاح، والنتيجة؟ القطار استمر في السير… لأنه أوتوماتيكي منذ البداية! تبين أن السائق كان للزينة فقط.

بعدها جاءت مرحلة تجنيد الركاب… تم توزيع منشورات داخل العربات: "شارك في إنقاذ القطار… أو على الأقل أصرخ معنا". بعض الركاب قرروا إدارة العربة التي يجلسون فيها، بعضهم بدأ يجمع التبرعات، والآخر أقام حفلًا انتخابيًا بين الكراسي، ونسوا جميعًا أنهم ما زالوا على متن قطار يفقد السيطرة.

وفي لحظة عبقرية، اقترح أحدهم خلق الفوضى. أُطلقت صافرات إنذار مزيفة، أُشعلت جدالات حول من المسؤول، اشتعلت مواقع التواصل، وعُلِّقت كل محاولات الإصلاح بعبارة "الآن ليس الوقت المناسب".

أخيرًا… قام البعض بـترك القطار وشأنه، وقفزوا منه كما يقفز السياسي من برنامج انتخابي بعد الفوز، فتبقى القطار ومن بقي فيه يركض.

وانتهت الحكاية كما تنتهي أغلب القصص…

انحرف القطار عن مساره، تحطم، ومات جميع من بقي على متنه.

جلس أعضاء المجلس بعدها بصمت، ثم قال رئيسهم وهو ينفض الغبار عن بدلته:

"حسنًا، ننتقل الآن إلى النقطة التالية… كيف نوقف ثورًا هائجًا، هرب من الحضيرة التي دمرها القطار؟"