جلستُ قبل أيام رفقة أصدقاء في مقهى على أطراف المدينة، و في لحظة شرد ذهني و سرحتُ و انطلقت عيناي تتأملان الشارع المقابل، شدّ انتباهي محلّ لذبح وبيع الدجاج في الجهة المقابلة بالضبط من المقهى، رمقتُ عند باب المحل ديكان يتسكعان مُتبختِران و بحرية، لا قيد، و لا حبل يلفُّ عنقيهما أو أرجلهما... أمعنتُ النظر في الديكين و تحققت أن لا شيء يربطهما و قلت في نفسي: "لمَ لا تهربان أيها الغبيان؟ اللعنة عليكما كل يوم تُذبح أمام ناظريكما مائة دجاجة و لا حبل يحبسكما و لا وثاق يشدكما و مع ذلك تستطيبان البقاء في ذلك المذبح الذي ستُزهق فيه روحكما و يُنتفُ فيه ريشكما و تُقطّعُ فيه أوصالكما و يُصنعُ من لحمكما طاجين بالزبيب طال الزمن أو قصُر!!
لم أستطع أن أطرد مشهد الديكين من ذهني حتى بعد أن غادرت المقهى و لا أدري حقيقة لمَ قفز إلى ذهني منظر أمرّ من أمامه تقريبا كل يوم هنا في أحد أحياء مدينتي الصغير بركان بالمغرب، تحت تلة وسط المدينة تعلوها مقبرة قديمة كبيرة، و بالمناسبة هي مقبرة أغلقت منذ سنوات عديدة... تمتدُّ المقبرة على الجزء العلوي من التلة، و في الأسفل يمتد شارع طويل، على طول الشارع. الصورة كالآتي : رواج كبير: محلات تجارية، ، محلبات متناثرة و بائعو حرشة و مسمن (أكلتان شعبيتان مغربيتان) ، بائعو فواكه جافة و محطة طرقية تتوسط الشارع تعرف حركة دؤوبا لا تتوقف، صراخ بائعو تذاكر الحافلات يمتزج مع زعيق سيارات الأجرة مع هدير محركات الحافلات في سمفونية مزعجة لا تسرُّ السامعين طبعا...
يحدث معي كثيرا أن أكون نازلا من الطريق المقابل للتلة و الذي يمنحك رؤية شاملة لمعالمها... و لا يلفت انتباهي أبدا إلا حركة الناس و السيارات على طول الشارع رغم أنك لو أخذت صورة بانورامية لوجدت أن صورة المقبرة تأخذ حيزا يكاد يصل ل 70 ٪ من الصورة البانورامية للتلة...سألت نفسي لمَ أنا و غيري كثير من الناس ممن نمر من هنا تُركز نظراتنا في كل تلك التفاصيل إلا صورة المقبرة؟؟
ربما كنتُ أنا الغبيَّ عندما اتهمتُ الديكين بالغباء، فلا فرق في الحقيقة بين القش المتناثر على أرضية محل الدجاج الذي يلهث وراءه الديكان كل يوم و بين حطام الدنيا و متاعها المنتشر على طول الشارع في أسفل التلة...و مثلما يُنسي قش و حبوب المحل الديك أن هناك مذبحا ينتظره، يُنسينا لهثنا في الحياة المصير الذي ينتظرنا...
ما نشترك فيه مع الديكان أن كلنا أحرار...لكن نختلف معهما في أن لنا عقلا مُكرما داخل جماجمنا و هو ما يفتقده الديكان.
هل في نظركم يا أعزاء هناك منطق في مقارنة مصيرنا بمصير الديكين؟؟
التعليقات