تسلسل ماسلو الهرمي للاحتياجات

الحاجات عند الإنسان هي الدوافع والغرائز التي تحتاج إلى إشباع وتحقيق. توجد عند الإنسان منذ لحظة ولادته، منها الحاجة للأكل والشرب والأمان.

تتعدد هذه الاحتياجات وتتفاوت في أهميتها، لكن تبقى مسألة تلبيتها وإشباعها أساسية ومهمّة في كل مرحلة من مراحل حياة الإنسان.

اعتقد "ابراهام ماسلو"‏ Abraham Maslow"" وهو عالم نفس أمريكي بأن "الاحتياجات الفيسيولوجية والنفسية" تحفّز أفعالنا نحن البشر. بناء على اعتقاده وتحليلاته وضع نظرية التسلسل الهرمي للاحتياجات والتي تُعد أشهر نظريات التحفيز، تنصّ هذه النظرية على أن أفعالنا مدفوعة باحتياجات فيسيولوجية ونفسية معينة تتطور من الأساسية إلى المعقدة.

محطات من حياة ماسلو

العالم الأمريكي ابراهام ماسلو "Abraham Maslow" هو أحد أشهر علماء النفس، ولد في الاول من أبريل لعام 1907 في الولايات المتحدة الأمريكية في بروكلين بولاية نيويورك، لأبوين يهوديين قد هاجروا إلى الولايات المتحدة من روسيا، واسمه الكامل هو ابراهام هارولد ماسلو. نشأ ابراهام الطفل نشأة صعبة على طفل صغير، حيث عانى من إهمال والديه له، وتعرّض للتنمر من قبل أبناء جيرانه ما دفعه للبقاء في المكتبة وهناك وجد شغفه بالقراءة.

 رغم طفولته البائسة، كبر ليصبح شخصاً ناجحاً ومتفائلاً ولديه ثقة كبيرة في البشر وأنهم في الأصل أصحاب طبيعة حسنة وسوية.

التحق بجامعة ويسكونسن لدراسة علم النفس، وحصل على درجة الماجيستير في تخصص التجارب السلوكية، انضم بعدها إلى جامعة بروكلين منذ عام 1937 وحتى عام 1951. شهد خلالها الحرب العالمية وكان للحرب تأثيراً بالغاً عليه.

تأثر بالعالم "ماكس فيرتهايمر" " "Max Wertheimerوالعالمة "روث بنديكت" "Ruth Benedict".

في عام 1951 م عُين أستاذاً في جامعة برانديس، حيث أصبح طبيباً مقيماً في معهد لولين في كاليفورنيا. كما أسس أبراهام ماسلو بالتعاون مع توني سوتيتش مجلة علم النفس الإنساني، ولا تزال هذه المجلة تنشر أبحاثها حتى الآن.

قدّم ابراهام ماسلو لأول مرة مفهوم التسلسل الهرمي للاحتياجات في بحثه عام 1943 بعنوان "نظرية التحفيز البشري"، وطرحه مرّة أخرى في كتابه اللاحق "الدافع والشخصية". يشير هذا التسلسل الهرمي إلى أن الناس لديهم الدافع لتلبية الاحتياجات الأساسية قبل الانتقال إلى احتياجات أخرى أكثر تقدماً.

تركيز ماسلو على سعادة البشر

بينما كانت بعض المدارس الفكرية الموجودة في ذلك الوقت "مثل مدرسة التحليل النفسي والمدرسة السلوكية"، تميل إلى التركيز على السلوكيات الإشكالية، كان "ماسلو" أكثر اهتماماً بمعرفة ما يجعل الناس سعداء وما يفعلونه لتحقيق هذا الهدف.

اعتقد "ماسلو" أن الناس لديهم رغبة فطرية في أن يكونوا محققين لذواتهم، راضين عنها، وساعين لتحقيق جميع مآربهم. بالطبع لتحقيق هذا الهدف النهائي، يجب تلبية عدد من الاحتياجات الأساسية، وهذا يشمل الحاجة إلى الغذاء والأمان والحب واحترام الذات، وتصوّر ماسلو أن هذه الاحتياجات تشبه الغرائز وتلعب دوراً رئيسياً في تحفيز السلوك.

هرميّة ماسلو

وضع ماسلو هرم مدرّج بخمسة درجات، كل درجة من درجات الهرم تشتمل على حاجة من حاجات الإنسان. تبدأ "بالحاجات الأساسية"، والتي يحتاج إليها الانسان ولا يستطيع الاستغناء عنها، وصولاً إلى "الحاجة إلى التقدير". تُرتّب من قاعدة الهرم إلى أعلاه.

عندما يتم تلبية الاحتياجات الأساسية يتحرك الفرد تلقائياً إلى أعلى الهرم لتلبية الاحتياجات العُليا.

المستوى الأول "الاحتياجات الفسيولوجية".

تشمل الاحتياجات الفسيولوجية تلك الضرورية للبقاء على قيد الحياة. تتضمن بعض الأمثلة على الاحتياجات الفسيولوجية ما يلي: الغذاء، والماء، وعمليه التنفس، والتوازن، بالإضافة إلى المتطلبات الأساسية للتغذية وتنظيم الهواء ودرجة الحرارة، وتشمل الاحتياجات الفسيولوجية أيضاً المأوى والملبس.

شمل ماسلو التكاثر الجنسي في هذا المستوى من التسلسل الهرمي أيضاً، لأنه ضروري لبقاء الأنواع وانتشارها.

المستوى الثاني "احتياجات الأمن والسلامة".

في المستوى الثاني من التسلسل الهرمي لماسلو ، تبدأ الاحتياجات في أن تصبح أكثر تعقيداً بعض الشيء، وفي هذا المستوى تصبح احتياجات الأمن والسلامة أساسية.

في هذا المستوى يريد الناس السيطرة والنظام في حياتهم، وتتضمن بعض احتياجات الأمن والسلامة الأساسية الأمن المالي، والصحة والعافية، والسلامة من الحوادث والإصابات.

إن العثور على وظيفة مريحة ذات دخل جيد، والحصول على التأمين الصحي والرعاية، ورصيد مالي مقبول في حساب التوفير، والانتقال إلى حي أكثر أماناً يتوفر فيه كامل الخدمات، كلها أمثلة على الإجراءات التي تتطلبها احتياجات الأمن والسلامة.

يشار إلى كل من مستوى "الحاجات الفسيولوجية" و"مستوى الأمان" مع بعضهما في هرمية ماسلو بـ "بالحاجات الأساسية".

المستوى الثالث "الحاجات الاجتماعية".

تشمل الاحتياجات الاجتماعية في التسلسل الهرمي لماسلو الحب، والقبول، والانتماء. في هذا المستوى، تدفع الحاجة إلى العلاقات العاطفية السلوك البشري، ومن الأمور التي تشبع هذه الحاجة الصداقات، العلاقة العاطفية، والعلاقات الأسرية، والتفاعل الاجتماعي كالعلاقات بين قاطني الحي، الجماعات المحلية، الكنائس والمنظمات الدينية.

من أجل تجنب الشعور بالوحدة والاكتئاب والقلق، من المهم أن يشعر الناس بالحب والقبول من قبل الآخرين، لذلك تلعب العلاقات الشخصية مع الأصدقاء والعائلة والمحبين دوراً مهماً، كما هو الحال مع المشاركة في المجموعات مثل "المجموعات الدينية والفرق الرياضية ونوادي الكتاب والأنشطة الجماعية الأخرى".

المستوى الرابع "احتياجات التقدير".

في المستوى الرابع في التسلسل الهرمي لماسلو، هناك حاجة إلى التقدير والاحترام. بمجرد تلبية الاحتياجات في المستويات الثلاثة السفلية من الهرم، تبدأ احتياجات التقدير في لعب دور أكثر بروزاً في تحفيز سلوك البشر.

في هذا المستوى، تزداد أهمية اكتساب احترام وتقدير الآخرين، ويحتاج الناس إلى إنجاز الأشياء، ثم يتم التعرف على جهودهم. بالإضافة للحاجة إلى الشعور بالإنجاز والهيبة، تشمل احتياجات الاحترام أشياء مثل احترام الذات والقيمة الشخصية.

يحتاج الناس إلى الشعور بأن الآخرين يقدّرونهم، وبأنهم يقدمون مساهمة للعالم، وهم بحاجة دوماً للاعتراف بالجهد الذي بذلوه لإنجاز مساهماتهم. تلعب المشاركة في الأنشطة المهنية والإنجازات الأكاديمية والمشاركة الرياضية أو الجماعية والهوايات الشخصية دوراً في تلبية احتياجات التقدير.

هذا ويميل الأشخاص القادرين على تلبية احتياجات التقدير من خلال تحقيق احترام الذات والاعتراف بالآخرين إلى الشعور بالثقة في قدراتهم، في المقابل يمكن أن يزداد الشعور بالدونية أو النقص لدى الناس الذين يفتقرون الثقة بالنفس أو احترام الآخرين.

يشكل كل من "مستوى الحاجة للتقدير" و"مستوى الاحتياجات الاجتماعية" سويّة ما يعرف بـ "الاحتياجات النفسية" في هرميّة ماسلو.

المستوى الخامس "احتياجات تحقيق الذات".

في ذروة التسلسل الهرمي لماسلو توجد احتياجات تحقيق الذات، الأشخاص الذين يحققون الذات لديهم وعي ذاتي، ومهتمون بالنمو الشخصي، وأقل اهتماماً بآراء الآخرين، ومهتمين بتحقيق إمكاناتهم.

أوضح "ماسلو" قائلاً: "ما يستطيع الإنسان الوصول إليه، يجب بلوغه"، مشيراً إلى حاجة الناس لتحقيق كامل إمكاناتهم كبشر، ويصف تحقيق الذات بأنه الاستخدام والاستغلال الكامل للمواهب والقدرات والإمكانيات.

هؤلاء الأشخاص الواثقين من إمكاناتهم، يرضون عن أنفسهم بشكل كامل، ويفعلون أفضل ما بوسعهم القيام به. هم أناس تطوروا أو مازالوا يتطورون للوصول إلى مُبتغاهم.

شرح هرم الحاجات

غالباً ما يتم عرض تسلسل ماسلو للاحتياجات كهرم، في أسفل الهرم تكون الاحتياجات الأساسية، بينما تكون الاحتياجات الأكثر تعقيداً في الأعلى.

بمجرد تلبية احتياجات المستوى الأدنى، يمكن للناس الانتقال إلى المستوى التالي من الاحتياجات، ومع تقدم الناس في الهرم، تصبح الاحتياجات "نفسية واجتماعية" بشكل متزايد.

في الجزء العلوي من الهرم، تكون الأولوية للحاجة إلى الاحترام الشخصي ومشاعر الإنجاز.

"كارل روجرز"Carl Ransom Rogers" " عالم نفس أمريكي، والذي قام (مع أبراهام ماسلو) بتأسيس التوجه الإنساني في علم النفس السريري، شدد أيضاً على أهمية تحقيق الذات، وهي العملية التي يتم من خلالها النمو والتطور الذاتي للفرد من أجل تحقيق إمكاناته.

أنواع الاحتياجات المختلفة

يمكن تقسيم تسلسل ماسلو الهرمي للاحتياجات إلى نوعين من الاحتياجات: احتياجات النقص واحتياجات النمو.

احتياجات النقص: الاحتياجات الفسيولوجية والأمنية والاجتماعية والاحترام هي احتياجات نقص تنشأ بسبب الحرمان، وإن تلبية هذه الاحتياجات ذات المستوى الأدنى أمر مهم لتجنب المشاعر أو العواقب غير السارة.

احتياجات النمو: دعا ماسلو الحاجات في قمة الهرم "احتياجات النمو"، وهذه الاحتياجات لا تنبع من نقص في شيء ما، بل من الرغبة في النمو للفرد.

بينما يتم تصوير النظرية عموماً على أنها تسلسل هرمي جامد إلى حد ما، أشار ماسلو إلى أن الترتيب الذي يتم به تلبية هذه الاحتياجات لا يتبع دائماً هذا التسلسل، ويمكن أن يتم تفضيل حاجة على حاجة أخرى.

على سبيل المثال، أشار ماسلو إلى أنه بالنسبة لبعض الأفراد، فإن الحاجة إلى احترام الذات أكثر أهمية من الحاجة إلى الحب، وبالنسبة للبعض الآخر، قد تلغي الحاجة إلى الإنجاز الإبداعي حتى أكثر الاحتياجات الأساسية ضرورةً.

الانتقادات التي وجّهت للنظرية

أصبحت نظرية ماسلو شائعة على نطاق واسع داخل وخارج أوساط علم النفس. تأثرت مجالات التعليم والأعمال بشكل خاص بالنظرية، لكن فرضية "ماسلو" لم تخلو من النقد، ومن بين الاعتراضات التي طالتها:

·       لا تتبع الحاجات نظام الهرمية: لقد أظهرت بعض الأبحاث ما يدعم نظريات ماسلو، إلا أن معظم الأبحاث لم تستطع إثبات فكرة هرم الاحتياجات

·       من الصعب اختبار النظرية: أشار بعض الناقدين لنظرية ماسلو إلى أنه من الصعب اختبار تعريفه لتحقيق الذات علمياً. كما أن بحثه في تحقيق الذات كان مبنياً على عينة محدودة جداً فقد تضمن أشخاصاً يعرفهم أو سيراً ذاتية لأشخاص مشهورين كان ماسلو مؤمناً بأنهم وصلوا لتحقيق الذات.

·       تشير بعض الانتقادات الحديثة أن ماسلو استوحى معتقداته من أمّة بلاك فوت Blackfoot nation"" أو "ذويسس الأقدام السود"، وهي أمة من الأمم الأولى كانت تستوطن جنوب مقاطعة ألبرتا الكندية وشمالي ولاية مونتانا في الولايات المتحدة الأميركية. حيث تم الربط من خلال المحاضرات العديدة التي ألقاها بعض أعضاء هذه القبيلة مع هرم احتياجات ماسلو مما سبب إسناداً خاطئاً.

بغض النظر عن هذه الانتقادات، تمثّل هرمية ماسلو للاحتياجات جزءاً من نقلة مهمة في علم النفس. فبدلاً من التركيز على السلوك والتطور غير الطبيعيين، ركز علم نفس ماسلو الإنساني على تطور الأفراد الأصحاء، وعلى الرغم من قلة الأبحاث التي تدعم نظرية ماسلو نسبياً، إلا أن هرمية الاحتياجات هذه معروفة، ولها شعبية مهمّة داخل وخارج أوساط علم النفس.

استند المقال إلى الموقع التالي