في أبسط صورها تعني الهيمنة، سيطرة طرف أو نمط ما على بقية الأنماط، وجعلها تعمل وفق نظامه.. ولعل بعضنا قد سمع عن نظرية "الهيمنة الثقافية" وهي نظرية سياسية إجتماعية وضعها الماركسي أنطونيو جرامشي، للإشارة إلى سيطرة طبقة اجتماعية ما على المجتمع بأكمله، ليس بامتلاكها لوسائل الإنتاج والتحكم بمؤسسات الدولة فحسب، وإنما عن طريق فرض تصوراتها وأفكارها الخاصة على المجتمع بأكمله، إلى الحد الذي تميل معه بقية طبقات المجتمع لِتَبنّي تلك التصورات والأفكار، كما لو أنها من أنتجتها!..

أما التطبيق الآخر لنظرية الهيمنة، فربما يكون أكثر تعقيدا؛ ذلك أنه يتناول بالدراسة أنماط التفكير المتنوعة، ويعرف ذلك بنظرية "الهيمنة الدماغية" .. ولقد وضع المفكر نيد هيرمان أسس تلك النظرية، عن طريق توضيح آلية سير العمليات الدماغية، وكيف أن طريقة تفكيرنا تتحدد تبعا لهيمنة بعض الأنماط الفكرية على عقلنا دون غيرها!

وقام هيرمان بتقسيم الدماغ لأربعة أجزاء، يتسم كل منها بطابع ونمط فكري خاص يمكننا من القيام بالمهام المختلفة، وجاء التقسيم كالتالي:

ـ فص أيسر علوي (A): يختص بنمط التفكير التحليلي القائم على بيانات ومعلومات دقيقة.

ـ فص أيسر سفلي (B): يختص بنمط التفكير التنفيذي، القائم على النظام والإنضباط.

ـ فص أيمن سفلي (C): يختص بنمط التفكير العاطفي، القائم على المشاعر والعلاقات الإنسانية.

ـ فص أيمن علوي (D): يختص بنمط التفكير الإبداعي، القائم على الإبتكار وإيجاد البدائل.

وهنا تخيلت للحظة حالتي عندما أحاول التفكير بأمر ما، فأجدني وكأن حربا فكرية تدور بعقلي بين قوى وإتجاهات متباينة، لدرجة أشك معها بسلامة تفكيري المنطقي.. لكن أظن أن نظرية الهيمنة الدماغية قد توضح آلية حدوث تلك النزاعات الفكرية داخل العقل الواحد!!

فهل تشعرون أيضا بتلك الصراعات الداخلية التي تدور بين أجزاء الدماغ الأربعة؟! وترى أي جزء منها يسيطر على نمط تفكيركم؟.. وبرأيكم أيهما أقوى تأثيرا بحياتنا، الهيمنة الثقافية أم الهيمنة الدماغية؟!