"أبي لا يحبني ، إنه يفضل أخي أحمد". هكذا عبرت سناء الطفلة ذات السبع سنوات عن علاقتها بوالدها .

دفعني هذا البوح الصغير إلى محاولة استكشاف أعماق التفكير الانساني ، خاصة العربي منه .

الأب العربي بصفة عامة كان دائما هو القائد و يجد صعوبة في تصريف مشاعره، بينما الأم تمثل دورا عاطفيا و تستطيع التعبير ببساطة عن مشاعرها لأبنائها ، هكذا كانت سفينة الأسرة تتحرك . يدفعنا هذا الأمر إلى استكشاف مبادئ هذين الطرفين بداية عند المفكر السويسري الكبير (يوهان ياكوب) Johnan Jakob Bachofen، الذي أظهر لأول مرة منهجيًا علميًا قال فيه بأن المجتمع محكوم بمبدأين بنيوين مختلفين: المبدأ الأميسي، والمبدأ الأبيسي، و هو ما أكده المفكر الألماني( فروم) ، فماذا يميز هذين المبدأين عن بعضهما؟

في المجتمع الأبيسي، كما هو معروف في العهد القديم ومنذ الحكم الروماني، فإن الأب هو الذي يمتلك ويتحكم في الأسرة. وعندما أتحدث عن الامتلاك، فإن ذلك يجب أن يفهم في المعنى الحرفي للكلمة. ذلك أن الزوجة والأطفال كانوا في النظام الأبيسي، وفي القانون الأبيسي البدائي ملكًا لأب الأسرة تمامًا كالعبيد والماشية. كان باستطاعته عمل ما يريد بهما. أما في المجتمع الأميسي فالأم هي المحور و الشمس التي تدور عليها بقية الكواكب ( الأسرة).

وبين الحب الأبيسي والحب الأميسي هناك فرق. فالحب الأبوي في جوهره هو حب مشروط، لأنه موقوف على الاستجابة لشروط بعينها. وعندما أتحدث عن “الحب الأبيسي” فإنني لا أعني حب الأب (س) أو الأب (ص)، لكن الأبيسي على العموم. وقد سمى (ماكس فيبر) ذلك بـ“النموذج المثالي”. فالأب يحب في الغالب الابن الذي سوف يحقق أمانيه وتطلعاته. ويصبح هذا الابن في غالب الأحيان وارث الأب. وبهذا فإننا نجد في المجتمع الأبيسي “الابن المفضل” -في غالب الأحيان يكون هو الابن الأكبر- عندما تقرأ العهد القديم، فإننا نجد دائمًا أن هناك ابن مفضل، يكون مختارًا ومفضلًا عند الأب، إنه يعجبه لأنه يطيعه.

في النظام الأميسي نجد الأشياء بشكل آخر. فالأم تحب كل أبنائها على مستوى واحد؛ إنهم كلهم ودون استثناء ثمرة رحمها، وبحاجة إلى عنايتها. فإذا كانت الأم لا ترضع رضيعها إلا لأنه يعجبها ويطيعها، فإن أغلبية الصبية سيموتون. وكما نعلم، فإن الرضيع لا يعمل البتة ما تريده الأم. لو كانت الأم تتوفر على نفس الحب الأبيسي -البيولوجي- لكان النوع الإنساني قد انقرض. إن الأم تحب الطفل لأنه ابنها. ولهذا السبب لا نجد في المجتمع الأميسي أية تراتبية، بل نجد نفس الحب لجميع من يحتاجه من أبنائها

في المجتمع الأبيسي يكون المبدأ الأعلى هو النظام، القانون، المثال، المعنوي. أما في المجتمع الأموسي فإن المبدأ هو العلاقة الطبيعية، وهي العلاقة التي تجمع بين الناس. وهي علاقة لا يحتاج أن يفكر فيها أو تصنع، بل إنها هنا ببساطة.

ما رأيك في هذه التصنيفات؟ هل تعتقد فعلا أن المجتمعات العربية مجتعات أبيسية أم أميسية؟ أم أنها خارج هذا التصنيف أصلا؟