تتقلب الحياة ولا شيء فيها مثالي، بالرغم من الصورة المثالية الكاملة التي نرسمها، الصورة المثالية التي تغزو العالمين الافتراضي والواقعي، الصورة التي ترفض الألم والنقص، الرفض والكره الصورة التي ترهقنا ونكملها بأشياء بعيدة عن جوهر الحياة وقيمتها،إننا ننشد المثالية في كل شيء،وليس عيبا في ذلك طالما أنه في حدود الوعي والمعقول، ولكن عندما تصبح المثالية هوسا ومطلبا أساسيا إذا لم يتحقق صاحب ذلك السخط والغضب هنا الطامة الكبرى.

المثالية عند المرأة العربية في الآونة الأخيرة أصبحت مطلبا أساسيا في كثير من الحالات يصاحبه هوس يزيد منه مواقع التواصل الإجتماعي، فالمرأة تقلب في هذه المواقع لتشاهد الكثير من المؤثرات اللواتي يعرضن حياة كاملة مثالية وكأنها في الجنة، تتابع المرأة هذه الحياة وهي مبهورة بالكمال والمثالية التي تشاهدها، متناسية أو لا تعي أن المؤثرة تصور الفيديو في مدة زمنية معينة تحرص خلال هذا الوقت على حشد كل إمكانياتها حتى يظهر الفيديو بأجمل صورة وخصوصا العلاقة الرومانسية والحب والدفء بين الأزواج، وقد تكون هذه المؤثرة على نزاع وخصام مع زوجها وأبنائها ولكنهم جميعا متفقين على هدف واحد هو جمع  أكبر عدد من المشاهدات والإعجابات، ومنهم من يروج لشائعة وخبر مفبرك عن حياته الشخصية بين فترة وأخرى حتى تزيد متابعته عبر محركات البحث،اتفق معكن لاشيء أجمل من حياة امرأة تملك زوج محب وأبناء رائعين وبيت جميل متوفر به كل ماتحلم به وأصدقاء حاضرين دائما في جميع نزهاتها التي تذهب فيها إلى السوق وكأن معها ميزانية مفتوحة تشتري  كل ماتشتهي وتتمنى، استيقظوا هذه ليست حياة حقيقية.........

بعض النساء تعرف أن ذلك غير حقيقي وليس كما يعرض ولكنها ضائعة تائهة بلاهدف يشغل حياتها وفكرها، ومعظم ما تفعله ليس أكثر من متابعة المؤثرات على مواقع التواصل الاجتماعي، تحاول ملأ حياتها ووقت فراغها بمتابعتهن حتى يتسلل الملل والسخط إلى نفسيتها تدريجيا، فأين هي من وسائل الرفاهية التي تشاهدها، هذه العقلية تمتد إلى واقع الكثير من النساء، فتنظر إلى حياة النساء حولها وما تشاهدها مثالي وكامل عند غيرها يصبح هدفا ومسعى لها إذا لم تحصل عليه أحزنها.

الحب المثالي عند المرأة، الحب المثالي وهو رجل رومانسي ثري متفهم يوفر كل سبل الراحة والسعادة لا تحمل المرأة في هذه العلاقة أي مسؤولية، سوى كونها معشوقة، قد يتحقق ذلك! ولكن أدنى مسؤولياتك حتى تحافظي على هذا العاشق هو الوعي، لا يوجد في الحياة رجل أمير سندريلا الذي ينقذك من بحر الظلمات ولا يوجد السوبر هيرو، لا يوجد مخلوق على هذه المعمورة لا يتحمل مسؤولية يتعب في سبيلها.

إذا كانت مواقع التواصل الإجتماعي تؤثر سلبا على وعيك ورضاك أو تلفت نظرك للأشياء التي تنقصك فاعتزليها وابتعدي عنها ولو لفترات، اشغلي نفسك بهدف تحقيقيه، تابعي من يؤثر فيك إيجابا، ويساعدك بإشغال نفسك واستثمار وقتك، لا تكوني فريسة سهلة للمؤثرات السطحيات ، لا تتركي نفسك متابعة لهن طيلة الوقت، فأنت مصدر لجمع أكبر عدد من المشاهدات وحصد أكثر إعجابات، بعضهم مستعد لفعل أي شيء بلاقيم ولا مبدأ حتى يجني أكبر قدر من الأموال، كوني واعية.

الكثير من الدراسات التي ظهرت مؤخرا وبعضها مثبت طبيا وعلميا تفيد بالتأثير السلبي لمتابعة مواقع التواصل الإجتماعي مدة تزيد عن الثلاث ساعات يوميا ودورها في رفع معدلات الأمراض النفسية مثل الإكتئاب والقلق والتوتر، كما يوجد دراسة تتحدث عن دورها في احترام الذات.

ريم إمرأة أربعينية تتحدث عن تجربتها قائلة:" كنت أتابع إحدى المؤثرات يوميا عندما أستيقظ صباحا، كانت في البداية أشعر بالنشاط وأقوم بواجباتي المنزلية بسعادة، بعد ذلك صرت أشغل وقتي بفيديوهاتها ثم فيدوهات صديقاتها فكل واحدة منهن لها قناة ويقدمن محتوى متشابه، بدأ الملل يتسلل إلي وصرت أنتبه أكثر للأشياء الناقصة في حياتي وأكثر ما كان يتعبني هو روتين حياتي اليومي فانقطعت عن متابعتها فترة من الزمن ومتابعة الفيديوهات المشابهة لها، وعندما عدت وجدت أنها أصبحت تقدم فيديوهات فارغة "أي كلام " حتى تصنع محتوى يضمن بقاء قناتها نشطة ولم يعد ذلك المحتوى القيم الذي كنت اتابعه في البداية، ثم اكتشفت أنها وصديقاتها ومعارفهن هن من يحركن القناة ويتفاعلن مع بعضهن البعض فلغيت المتابعة ولم أعد أتابع أحد لأكثر من ربع ساعة يوميا".

كوني واعية وأشغلي وقتك ولا تكوني أداة في يد أحد حتى لو كان مؤثرا على صفحات التواصل الاجتماعي.