في ظل انتشار التعصب للرأي الواحد و عدم الانفتاح للآراء و الأفكار والانتماءات الثقافية المختلفة بوتيرة كبيرة في الآونة الأخيرة؛ قد نكون بأمسّ الحاجة إلى ترسيخ مفهوم ثقافة الحوار لدينا وترسيخها. لذا كيف يمكننا اكتساب وترسيخ ثقافة الحوار؟
ثقافة الحوار، كيف يمكننا اكتسابها وترسيخها لدينا؟
في البداية أود الإشارة إلى أن فن الحوار هو مهارة مكتسبة مثل أي مهارة..
أعتقد أن أهم طرق الحوار هي الاستماع، إذا تحدث الآخر فاستمع، هي ليست بساحة حرب، فلنسأل أنفسنا قبل بدء أي حوار: "هل الهدف من هذا الحوار أن نثري عقولنا أم أن نفوز بالنقاش لإظهار أنفسنا بالصورة الأبرع والأعلى بين الجميع؟
إذا كانت الإجابة هي الاختيار الثاني فلنعدل عن النقاش، ونمنع أنفسنا من شهوة الكلام ونتجنب حوارًا دفعتنا إليه أهواؤنا.
طرح الأسئلة أيضًا هو طريقة لا يمكن أن تبلى في إتقان فن الحوار؛ فدائمًا ما يفتح سبلًا جديدة للنقاش، والتفكير في زوايا أخرى للمواضيع.
الاستماع أساسي ولكن شرط أن تكون النية خلفه هو الفهم والاستيعاب، فيوجد من يظهر عليهم الاستماع والتركيز ويتركون مساحة للآخر للتعبير عن رأيه وهم من الداخل يفكرون فقط في كيفية الرد وإثبات أن ما يقوله الآخر خاطئ.
في هذا الإطار يا نور، أرى أن النقاش الصحي دائما هو الذي يتم بغرص التطور والتقدم في تقديم المنظور. أما النقاش الذي يبدأ بغرض الرغبة في الانتصار أو إثبات وجهة النظر، فهذا النقاش هو الأكثر ضررا على الإطلاق.
أنا دائما ما أتجنب نقاشات وجهات النظر، لأنني أجدها تنافي كل أساسيات الناقش، وكأنها تنافي حتى نفسها، حيث أن النقاش الذي بغرض التطور وتبادل التجارب ووجهات النظر لا يتماشى معها، وغرضها المكروه حتى الذي يسعى من خلال أصابحها لإقناع بعضهم البعض عنوة لا يتحقق أيضا، لذلك فأنا لا أرى شيئا عديم الجدوى مثل هذه النقاشات.
كيف يمكننا اكتساب وترسيخ ثقافة الحوار؟
يمكننا ذلك بوضع إطار وقواعد للحوار ، كأن نتفق قبل بدء الحوار بان جميع الأصوات تُعطى مجالًا للتعبير عن نفسها بغض النظر عن الدور أو الرتبة.
ايضا من المهم ان نتحلى بمهارة الاستماع العميق حتى يتمكن الناس من سماع ما قيل (بدلاً من التركيز على من قال ذلك).
ثم إن الممارسة المنتظمة للحوار تزيد وتعمق الاحترام المتبادل والثقة بين المجموعة.
وبمرور الوقت ، تزداد جودة الحوار عمقًا واتساعًا بشكل متزايد ويمكن أن تكشف عن سحر الحوار الحقيقي وهو أنه بدون البحث عن نتيجة محددة ، سنجد وضوحًا أكبر وهدفًا أكبر في المجموعة بعد كل جولة.
وايضا يمكننا ترسيخ ثقافة الحوار عندما نقر بالمساواة في الكرامة بين جميع المشاركين ؛
وأن تكون المشاركة في الحوار طوعية.
إن عقلية الحوار لدى الجانبين تتميز بالانفتاح والفضول والالتزام وغياب الرغبة في "كسب" الحوار ؛ ويساعدنا على اكتساب عقلية الحوار ان يكون لدينا حد أدنى من المعرفة حول السمات المميزة لثقافة المرء وثقافات "الأخرين" ؛ وان يكون لدينا القدرة على إيجاد لغة مشتركة لفهم واحترام الاختلافات الثقافية.
من أهم الملحوظات في هذا الصدد أن الحوار ليس حواراً لفظياً فقط بل تشير الإحصاءات أن أكثر من 93% من تواصلنا مع الآخرين تواصل غير لفظي وهذا ما قاله (نيدو كوبين) في كتابه (كيف تصبح متواصلاً جيداً)، فإن جعلت من تواصلك غير اللفظي شئ تتحكم فيه فسيزداد تأثيرك بالآخرين بلا شك، وكذلك فإن أغفلت عن تلك النقطة فقد تسئ للآخرين بردات فعلك الغير لفظية والتي تشمل لغة الجسد والتواصل البصري دون أن تدري.
يمكننا اكتساب ثقافة الحوار عن طريق بضعة أشياء..
-ما جاء به الدين الإسلامي من تعاليم تخص هذا الصدد مثل الحديث دون التقليل من الآخرين وكذلك الكلمة الطيبة والصوت الهادئ.
-عن طريق القدوات، والإستماع لمحاضرات يتم فيها النقاش بكل احترام.
-قراءة الكتب في هذا المجال
ومن أهم الكتب :
- كتاب: لماذا نخاف النقد (سلمان العودة)
-كتاب : عظماء بلا مدارس (عبدالله صالح الجمعة) ..
- كتاب : أدب الإختلاف (صالح بن حميد)
-كتاب: دور الحوار في تعزيز الأمن الفكري (سلطان الحربي)
الحوار هو أسلوب التعرف على الآخر والاعتراف بوجوده وحقه في المشاركة في الرأي، ويعتمد أساس الحوار على مبدأ استماع الرأي وتقبل الرأي الآخر في ظل وجود الاحترام المتبادل بعيدًا عن التعصب والعنف. يبدأ ترسيخ ثقافة الحوار من الأسرة فهي لها الدور الأكبر، فتحتاج الأسرة إلى محاورة أبنائها وعدم فرض أرائهم بشكل غير مبرر وتربيتهم على التسمح والنقاش حتى تترسخ لديهم هذه الثقافة منذ الطفولة، كما انه على المدراس لها دور فحينها يتعلم الطفل ويبدأ في التواصل مع زملائه فيحتاج إلى المهارات الإيجابية في التواصل وفتح حوارات، كما وأن وسائل الغعلام لها دور في تنشيط الحوارات. هذا ما يمكن ان يكتسبه الشخص خلال فترة نموه، لكن الشخص الكبير يمكن أن يكتسب مهارة الحوار اولًا من خلال الاهتمام بشخصيته وتقويتها وأن يستطيع فتح حوارات مع نفسه للتجربة وكأنه يتحدث مع شخص آخر فيستطيع أن يتحاور، والاجتماعات العائلية غالبًا ما تكون سبيل في تعلم أسلوب الحوار، ويمكن ان تكون مواقع التواصل الاجتماعي طريقة اكتساب مهارة الحوار من خلالها.
أجريت دراسة، هي عبارة عن بحث لرسالة ماجستير في الأردن على هذا الموضوع واستطاعوا بالقياس الكشف عن العديد من الممارسات المجتمعية التي ترفع من سويّة وأهميّة الحوار في أذهان الناس، في الحقيقة ما كشفوا عنه كان مُهمّاً لإنهُ تبيّن أنّ هذه الممارسات هي أهم ما يُمكن أن يُنفّذ بصدد هذا الأمر:
- عقد مجموعة من الندوات والحوارات واللقـاءات بـين أفراد المؤسسات التربوية ومنها الجامعـة، لمـا لهـذه الندوات من دور كبير في إرساء دعـائم الحـوار بـين الأفراد المشاركين.
- إيجاد مادة رئيسية تهتم بالقضايا الـسلوكية والمجتمعيـة ودعم الجوانب الإيجابية فـي حـب الانتمـاء للعـشائر والوقوف سداً منيعاً في وجه الجوانب السلبية التي تنـتج عن العصبية.
- توفر صحافة حرة نشطة ومنـابر حواريـة تلبي رغبة في نفوس الناس لإظهار مختلف إبـداعاتهم وقضاياهم بكل صراحة لشتى التخصصات.
ومن تلك الدراسة يبدو أنّ الخيارات تدور بين الصدّ عن التكتّل على جماعة معيّنة دون الانفتاح على غيرها، بالإضافة إلى فتح قنوات تُفيد في التنفيس عن الناس بالكلام.
على ضوء أهمية تلك الدراسة ضياء:
هل تظن أن القراءة كافية لتعليم الفرد الأسس والأخلاقيات اللازمة لأي حوار أياً كان نوعه وموضوعه؟
في رأيي أن الممارسة لها مفعول كبير في تطوير ذلك الجانب، فهي مهارة تتثبت بالتدريب وليس بالعلم فقط.
للدراسة مُخرجات كثيرة، وأدوات تُساهم في رفع سوية الحوار أصعب من الحصر، لكنني فضلت أن أذكر هذه الأمثلة فقط لإنها متنوعة، بين الاستماع والتعلّم بالقراءة والدَرس والأهم أخيراً بالممارسة، في مثال: الصحافة.
وأتفق فعلاً في موضوع الممارسة، هذا دور يجب أن يُفعّل فعلاً في حياتنا، عملياً، لكن قبل أن يُفعّل أي دور أعتقد أننا يجب أن نفهم فعلياً ما الذي علينا فعله، هنا تأتي قيمة القراءة وقيمة هذه التوعية سواء بالجامعات أو بالمراكز الثقافية.
وطبعاً من أهم الوسائل التي تغفل عنها الدولة للحد من هذه الظاهرة، هي استهداف الفئات جميعها، أي على المؤسسة المعنية بهذا الأمر أن لا تقتصر في دورها على أماكن محددة وتجمعات معروفة، بل يجب أن تصل إلى المناطق الملوّثة بهذه العصبية، عبر المؤثرين على السوشال ميديا مثلاً أو عبر استخدام الدراسات الديموغرافية للعنف لتحديد أولويات بداية النشاط الإصلاحي.
وطبعاً لا يمكن أن ننسى دور الأفراد أيضاً في هذه المهمّة، كُل هذا السابق يُعلّم في أوروبا، لذلك نرى مجتمعاتهم دائماً أكثر توازناً.
فعلا الأمر مهم أن نرسخ مثل تلك الثقافة التي لا يتم تعليمها في المدارس مثلها مثل التفكير النقدي والابداعي ولكن كل تلك الأشياء هي عبارة عن مهارات مكتسبة يمكن تطويرها.
فتطوير ثقافة الحوار يعتمد على أربعة أشياء:
1- الاستماع: فهو أساس النقاش يجب أن تعود نفسك أن تستمع إلى الطرف الآخر دون أن تقاطعه يمكنك تدوين أفكارك على ورقة أو أن تحفظها وعندما تبدأ في الكلام ذكره أنك لم تقاطعه
2- الكلام: يجب أن تحرص أن يكون كلامك مهذب وبنبرة صوت طبيعية ليست ضعيفة فيتوهم الطرف الآخر أنه انتصر وليس قوية فيتوهم الطرف الآخر أنك تهاجمه
3- تقبل الاختلاف: فلو عرضت عليه الكثير من المعلومات التي تدعم وجهة نظرك من الممكن أن يظل مؤيدا لوجهة نظره الشخصية لذلك تقبل الاختلاف ولا تنسى أنه حوار وليست ساحة حرب بينكم
التعليقات