أغلب النقاشات دائمًا ما يكون هدفها هو إقناع جميع الأطراف برأي معين، ولكن نادرًا ما أرى نقاشات مبنية على الحُجة والمضاد لها من خلال استراتيجيات سليمة في الحوار، بل عادة يكون الكلام مدفوعًا فقط بالمشاعر وأحيانًا تهميش للآراء المعارضة، فما آرائكم عن الأساليب السليمة لبناء الحجج في النقاشات؟
كيف يمكننا بناء حُجة واضحة أو برهان سليم؟
من الأمور المهمة جدًا بالأساس هي بناء الحجج الأراء على معلومات موثوقة من الأساس وعدم الانجراف وراء المضلل منها أو الذي لا علاقة له بالموضوع، هذا ما يجعل اي حجة واضحة ومبرهنة أن تكون مبنية على معلومات دقيقة وذات صلة وثيقة بالحجة، ومن الأمور المهمة أيضًا البعد عن الاستهزاء بوجهة النظر المقابلة بقدر الإمكان وأقول بقدر الإمكان لأن بعض الحجج تكون واهية لدرجة مضحكة مثل حجج القائلين بأن الأرض مسطحة مثلًا.
لأن بعض الحجج تكون واهية لدرجة مضحكة مثل حجج القائلين بأن الأرض مسطحة مثلًا.
فكرة الأرض مسطحة، أو الإنسان أصله قرد أو سمكة او كائن أولي، هي بالنسبة لك حجة واهية، لماذا؟ لأنك مؤمن بما هو مضاد لهذه الأفكار ومبني على أسس واقعية وعلمية، فهنا لو أنك تتناقش مع أحد المؤمنين بتلك الأفكار، فيجب أن تضع حُجته في اعتبارك وتحاول تجنب كل تحيزاتك حتى تشرح له حجتك السليمة، وربما ينتهي به الأمر بالتفكير فيما تقوله والتصديق عليه، لكن تخيل لو أن هذا الشخص استشعر استخفافك بحُجته (أتحدث هنا عن الشخص الذي يقدم حجج وأدلة حقيقية لإثبات ما يقول وليس فقط محاولات فاشلة لدحض ما تقوله أنت) هنا سيتوقف عن التحدث وربما تخسر أنت فرصة لإثبات وجهة نظرك القوية.
أعتقد فيما يتعلق بهذه الأراء الشاذة يملك كل منا الخيار ألا يتناقش بها مع أحد لأنه ليس مطلوب من الجميع أن يطلعوا على حجج هؤلاء وتضيع الوقت في فهم منطلقاتهم إذا كانت النتيجة بهذا الجنون هذا رأي لكن بالطبع من يختار التحاور مع شخص بهذه الأمور فعليه حينها أن يكون على علم جيد بحججهم والرد الصحيح الشافي عليها.
ولكن هل لو اخترت هنا عدم التناقش، ألن يكون هذا في صالح الطرف الآخر؟ أي سيقتنع أن حجتك واهية ولا تعرف كيف تدخل في نقاش معه وتقنعه برأيك؟
"رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" كثيرًا ما كان يخبرنا معلمونا بتلك المقولة عن الإمام الشافعي رحمه الله، إذا كان هناك مثلًا ندوة في المدرسة او كانوا ينظمون حوارًا تفاعليًا بين الطلبة، لذا فأنا أعتقد أن للحوار ثقافة وآداب نتعلمها ونتدرب عليها ثم نمارسها.
لا أرى فائدة من حوار يكون نتيجته واضحة قبل بدئه، فالحوار هدفه هو الوصول لاقرب وجهة نظر سليمة بمشاركة جميع أطراف النقاش أو معظمهم، ففي البداية يجب أن يكون جميع المشاركين على استعداد للاستماع لغيرهم بنفس القدر الذي يرغبون به بإثبات وجهات نظرهم واتي بنبغي أن تكون مدعومة ببراهين واضحة يمكن للجميع التحقق منها مثل المصادر والمراجع والكتب أو المقالات الموثوقة أو غيرها بما يتعلق بمجال الحوار.
أيضًا أرى أن الكلام المدفوع بالمشاعر وتهميش الآراء كما ذكرتي هو نوع من الجدل وأبعد ما يكون عن الحوار الهادف الفعال، وبالنسبة لي فإن المشاركة في الجدل فلا طائل منه.
لا أرى فائدة من حوار يكون نتيجته واضحة قبل بدئه،
واقعيًا، بعض النقاشات تكون نهايتها محسومة والنقاش هو نوع من إظهار روح المبادرة من بعض الأطراف ليس إلا، فهنا سنجد أن الوقوع في المغالطات والتحيزات هي أمور بديهية في هذا النوع من النقاشات، ومثال عليها الحوارات بين الآباء والأبناء عن تحديد بعض القرارات المصيرية، غالبًا الطرفين يتعاملون باندفاع فقط ومحاولات مستميتة لإقناع الطرف الآخر برأيه، وبالطبع المصادر هنا لكل طرف هي حياته وتجربته، وبالنسبة له هي أكثر من كافية لدعم حُجته، فكيف يمكن هنا أن تتطالبي شخص أن يتغاضى عن حياة بأكملها والإقتناع برأي مستحدث بالنسبة له؟
فكيف يمكن هنا أن تتطالبي شخص أن يتغاضى عن حياة بأكملها والإقتناع برأي مستحدث بالنسبة له؟
في المثال الذي ذكرتِه إيريني أرى أن مستوى الحوار بين الآباء والأبناء ليس متكافئًا لا من ناحية وجهات النظر ولا الخبرات الحياتية، فما زال الآباء أكثر خبرة ودراية، والابناء في الغالب يستمدون نظرتهم نحو الحياة من منظور آبائهم حتى البلوغ، ومهما اختلفوا أو اتفقوا فيما بعد لابد أن يظل الأبناء ينصتون إلى آبائهم.
أعتقد أن من أسس الحوار الهادف أن يكون الأطراف متكافئين (وليس متساوين) من ناحية الثقافة والخبرة والفئة العمرية، لذا يمكنهم بهدوء تبادل وجهات النظر حول قضية معينة، أو حل مشكلة. ليس من الضروري أن يكون نتيجة الحوار هي مطالبة الآخرين بالاقتناع بآراء مستحدثة وإنما الوصول لنقاط ترضي أطراف النقاش، ما لم تكن حقائق علمية أو دينية ثابتة.
مهما اختلفوا أو اتفقوا فيما بعد لابد أن يظل الأبناء ينصتون إلى آبائهم.
لم نصل لحل هنا أيضًا، ماذا لو ان آراء الآباء مبنية على خبرات شخصية لهم وصدمات سيئة، ويريدون فرض أمور على أبنائهم بدافع الحب والخوف لكن في الحقيقة ما يفعلونه هو منع الأبناء من خوض تجارب حقيقية بأنفسهم؟
ما أفكر فيه دومًا هو الوضع الطبيعي خاصة بما يتعلق بعلاقة الآباء بالأبناء، فالتربية السليمة والعلاقة الصحية بينهما يشجع على الحوار وتبادل الآراء، وهنا يرث الأبناء صفات جيدة تعلموها من آبائهم سواء نتاج صدمات أو تجارب سيئة تعلموا منها.
من الطبيعي أن يحمي الآباء أبناءهم لكن دون تفريط أو مبالغة ويحق للابن أن يختار مستقبلًا يناسبه بالطريقة التي يراها صحيحة عندما يصبح مسئولًا قادرًا على إثبات نفسه وبناء أسرة، لكن هذا لا يعني أن عليهم الإعتراض دومًا على آراء الآباء لإثبات أنفسهم، على الطرفين احترام الآخر.
ومن الأمور المهمة أيضًا البعد عن الاستهزاء بوجهة النظر المقابلة بقدر الإمكان.
حتى وإن كانت بعض وجهات النظر مضحكة أو سخيفة فلا يجب الاستهزاء بها، فذلك يدعو إلى إثارة سخط الطرف الآخر وإن كان مخطئًا، أرى أنه يمكنني توضيح ذلك بإرفاق الأدلة وإن كانت الحقائق واضحة، فإن كان على استعداد للانصات والتعلم فربما يطول النقاش ويفيد بعضنا الآخر ونصبح أصدقاء، أما إذا كان لا ينصت فهو فقط يدعو إلى إثارة الجدل، وهذا لا طائل من الاستمرار بمناقشته والابتعاد أفضل.
أما إذا كان لا ينصت فهو فقط يدعو إلى إثارة الجدل، وهذا لا طائل من الاستمرار بمناقشته والابتعاد أفضل.
أتعلمين ميادة؟ هناك عنصر هام لا نضعه في الحسبان، وهو نبرة الصوت عندما نتحدث وأسلوب الكلام نفسه، لأن ذلك هو أحد الأسباب التي تثير السخط كما ذكرتِ، لأنني ل كنت أتناقش معكِ الآن ووجدتكِ تتحدثين معي دون أي اكتراث لرأيي، وتتحدثين بلغة صارمة ونبرة صوت مستهزئة بما أقول، فهنا النقاش اصبح فعلًا دون فائدة لأنه يذهب في إتجاه واحد فقط.
السؤال ليس هو كيف بناء برهان سليم ، بل الامر أكبر و أعمق بكثير من ذلك و هو ان يكون الطرفان منفتحان على فكرة الاخر، لأن في حالة لو كان طرف واحد متعصب نحو رأي، فلن يفلح النقاش.
كمثال واجهته مؤخرا ، طرحت فكرتي حول شركة العاب ما و ما السيئات التي تواجه اللاعبين ، تحَصَّل موضوعي اكثر من 50 ردا، 80٪ الى 90٪ منها هي مجرد انتقادي و ضحك و سب.
مثال اخر : طرحت رأيي حول نهاية مسلسل و ندمت اني طرحتها لان كل الردود كانت غير منفتحة للنقاش.
يمكن القول ان المسلسلات و الالعاب هي أشياء اغلبها موجهة للمراهقين عامة ، لكن دعني اؤكد لك ان اي موضوع في بالك ستجد نفس التعصب حول فكرة ما .
ابحث و اطرح فكرتك حول اي شيء موسيقى،شخص، بلد كل ما ستجده امامك هو السب و اللعن.
لذلك استطيع القول بكل وضوح أنه يمكن اعتبار الناس في هذا العصر هم اكثر ناس تكرفا فكريا و غير منفتحين لاي شيء و يا ويلك لو انتقدت ما يحبه، لا يوجد شخص قد يتقبل ما يحب ان يتعرض للانتقاد ، الامر المقرف و هو ان كل شيء يثم معاملته معاملة الدين ، اما معنا ، اما ضدنا.
لذلك لو اردت النقاش ، انظر من هم الناس الذي ستناقشهم حول فكرة ما ، فلو وجدت غير منفتحين للمناقشة فلا جدوى من الحجة و البرهان الذي معك.
أنت أثرت أهم نقطة تقريبًا وهو فكرة قبول الغير ورأيه في العموم، سواءً اختلفت أو اتفقت مع كلامه، والسبب لهذا هو التحيزات الفكرية، فكل شخص يريد قبول الآراء التي تتوافق مع ما يؤمن به فقط، وأي شيء يناقض ذلك ينفيه بسهولة سواءً بوعي أو دون وعي، وهذا ما حدث معك في مواقف شركة الألعاب ونهاية المسلسل، وبالمناسبة هناك سبب آخر لهذا الهجوم، وهو التحدث مع أشخاص غير مؤهلين للتناقش معك بشكل موضوعي عن مشروعاتك، أو ربما يرونها غير واقعية بالنسبة لهم، لكن لو تحدثت مع من لهم خبرة مع انواع مشابهة ولديهم عقلية جيدة في الإدارة، لوجدت ردود أفعال أفضل من ذلك، صدقني اختيار أطراف النقاش أهم من محاور النقاش نفسه.
نقطة الإتفاق هي السر، ولكن قبل نقطة الإتفاق بيننا، يجب أن نتفق على أن النقاش الذى هدفه الفائدة والتحقق من صحة مانملك من أفكار ومعتقدات هذا من أفضل النقاشات فأنت ستنجحى بهذا الأمر، ولكن النقاش الذى يحاول فيه أحد الأطراف أن يكون هوا المنتصر بكلامه دائماً، لايجب أن نتناقش معه كى نحافظ على طاقتنا لأن الجدل والمِراء يستنفذ الطاقة ولم أشعر بهذا الأمر إلا حينما دخلت فى مشكلة وبدأنا نتجادل بأصوات عالية كنا عدد مكون من 6 أصدقاء بيننا جميعاً مشاكل وكانت الأصوات تتعالى وكل برأيه وكل هوا الصحيح المثالى وظلت هذه الجلسة ساعةونصف، وخرجت أنا من النقاش غير قادر على أن أفكر فى أى شئ بوضوح فلقد تم تشويشي بنجاح.
لكى تبني حجة ناجحة إعتمدي على الأساسات الثابتة لنا جميعاً "نقطة نتفق عليها ، لاخلاف فيها"، فإذا كنتي تتفقي معي أن نقطة الإتفاق هى من تجعل الأخرين يقبلوا منكى الكلام التالى لنقطة الإتفاق فأنتي هكذا إقتنعتى بأن نقطة الإتفاق هى سر تقديم الحجج الصحيحة، وماسبق مثال (:
فكرة وضع نقاط محددة مُتفق عليها قبل النقاش فكرة جيدة جدًا ومن خلالها يتحدث كل شخص عن رأيه ويناقشه بوضوح، وبما أنك طرحت هذه النقطة، هل هناك أسس نضع بناءً عليها نقاط الإتفاق بحيث تكون موضوعية ولا تنحاز لطرف عن الآخر؟
هل تناقشتى مع أحد من قبل بهذا الإسلوب أن كليكما يلتزم بشئ وتسعوا كلاكما فى تتبع أو موافقة هذا الهدف أو القواعد؟!
فأنا أفعل ذلك وخصوصاً مع أقرب الناس لى أتحدث معهم فى موضوع يهمهم فنضع قاعدة وبناءا على هذه القاعدة نتم الحديث للنهاية ونخرج بنتيجة جيدة، لايهم من أقنع من بهذه الطريقة لكن كلانا إلتزم بالقواعد والقوانين.
وهذ الإسلوب يعتمد على النقاش الجارى فلما سنتحدث فى أمر تربية الأبناء؟؟
لأننا نهدف إلى إنشاء جيل قوى وواعي وفاهم وليس عنده مشاكل وليس ضعيف الشخصية أو محطم نفسياً.
إذاً فى حديثنا عن التربية كل ما يحقق هذا الهدف نقبل به، وإلا فهوا خارق سياق النقاش
الهدف من النقاش هوا ما سيضع هذه المعايير، ولن يكون هناك هدف للنقاش لو لم يكن لدى أهداف عى العموم وهكذا.
نخرج بنتيجة جيدة، لايهم من أقنع من بهذه الطريقة لكن كلانا إلتزم بالقواعد والقوانين.
هذا لانك تتحدث عن حوار وليس نقاش له هدف مرغوب لأحد الطرفين، أنا اتفق معك في وضع أًسس مبدئية نتحدث بناءً عليها، ولكن في الأخير إذا كان الهدف في مصلحة طرف معين فهنا نحتاج للوصول لنتيجة متوازنة، حتى لو اضطر أحد الطرفين في تقبّل هذه النتيجة على مضض منه، واعتقد أن هذا هو الحال في معظم النقاشات سواءً الحياتية أو المهنية، فلا يمكن ان يتفق الجميع على نتيجة هنا، والفيصل يكون في تجربة هذه النتيجة، هل ستنجح أم لا، وعلى أساس ذلك تتغير المعتقدات والتحيّزات.
إذا كان النقاش مبنيا على أسس علمية وأرقام وإحصائيات مثلا فإنه سيزيد من مصداقية الحجة المطروحة أو تفنيدها؛ أما إذا كان معتمدا على الآراؤ الشخصية والتكهنات فإن هذا يضرب بدوره أسس الحجج من أساسها.
لو أن النقاش غير أكاديمي، ففي الأغلب لا حاجة لإحصاءات وأرقام، والأسس هنا تحتاج آراء شخصية ولكن مبنية على منطق محدد، يعني لو أننا نتناقش عن موضوع شائك، فكل شخص سيعبر من خلال معتقداته ومبادئه وتجاربه الشخصية، على أن يكون أسلوب النقاش نفسه منفتح لتقبل جميع الخلفيات المطروحة، لأننا من البداية نعرف أنها مشكلة جدلية، وحلها يكون في معرفة جذور المشكلة من خلال الآراء الفردية.
لنتمكن من بناء حجج سليمة وقوية في النقاشات لا بد من استخدام لغة ونبرة مقنعة بعيداً عن المصطلحات المعقدة والغريبة على المستمع، وقبل أي شيء ينبغي أن نتأكد من أن الحجة منطقية ومبنية على أدلة بعيدة عن المشاعر والمعتقدات الشخصية، وأن نكون على علم تام بها لدرجة تجعلنا نناقش أصحاب الحجج المضادة بشكل علمي بل ونتوقع ما سيقولونه دفاعاً عن حججهم.
ان يكون لدى الطرفين معرفة جيدة بقواعد النقاش واتباع الادلة
فمثلا لو تناقش اثنان في موضوع تاريخي وكان كليهما باحث تاريخي فسيكون لدى الاثنين اطلاع كافي بمواضيع النقد التاريخي وبالتالي لديهما معرفة بالقوانين والقواعد التي يمكنهم ان يبنو عليها النقاش وبهذا يستطيعان احضار الادلة وتفنيد ادلة الطرف الاخر بناء على ذلك
غير ذلك فبدون قواعد وقوانين في مواضيع النقاش سيصبح نقاش عاطفي
غير ذلك فبدون قواعد وقوانين في مواضيع النقاش سيصبح نقاش عاطفي
أظن أن من طبيعة الإنسان الانصياع لمشاعره، حتى لو كان من طرف الخبراء، قد تراهم ينتاقون حجج تأيد خلفياتهم الاجتماعية والدينية والجغرافية كذلك هذه الاتجاهات كلها مستمدة من قوة عاطفية دافعة، فأظن أنه لا يمكن بناء حجة دون أن تكون مبنية على تحيز عاطفي حتى لو ادعى الأطرف الموضوعية في عرض الأفكار.
التعليقات