من منا لا يقدس الحرية الشخصية؟ من منا لا يُعدّها قدس أقداس له لا يجوز المساس به؟ كلنا بالطبع ولكن يبدو أن الأمر فيه قيود! معظمنا يعرف كيف قامت الدنيا ولم تقعد في وسائل التواصل وعلى صفحات الصحف الإلكترونية والورقية بعد انتشار فيديو راقص لرئيسة وزراء فنلندا ابنة السادسة والثلاثين عاما تُعاقر فيه كأساً وتُقبّل فيه صديقة وتتكسّر على أنغام الأغاني في ليلة صيفية تحتفل وأصحابها من غير دوائر العمل. ليلة بريئة كانت لتمر مرور الكرام لو لم تكن سانا رئيسة وزراء؛ فهي ليست شخصا عادياً!

ولشؤم حظها انتشر الفيديو انتشار النار في الهشيم واستنكر الفنلنديون بشدة خاصة أحزاب المعارضة واتهموها بتعاطي المخدرات! نفت سانا مارين التهمة بأنها فقط تتناول الخمور. ثم اضطُرت لإجراء اختبار تعاطي المخدرات والذي عاد سالباً. بكت مارين وتساءلت حائرةً دامعةً: ما المقدار الذي تسمحون به للقائد السياسي أن يستمتع دون أن يجاوز الحد؟ فهي كما تقول: إنسان أولاً وأخيراً ولديها وقت فراغها وحياتها العائلية والخاصة! يقول أمين الحزب الإشتراكي الديمقراطي الذي تقوده مارين أنها "بدت سخيفة" وأنه"لن يكون هناك مكان قيادة سياسية لإنسان يسخر الناس منه؛ فهي بدت مسخرة"! ثم يتابع ويقول: ليس المشكلة في أن تحتفل ولكن المشكلة في الاحتفال مع الأُناس الخطأ. فلو احتفلت مع أعضاء حزبها أو أصدقاء طفولتها ما استغرب الفنلنديون ولكًنهم لم يتقبلوا فكرة أن تحتفل مع مشاهير السوشال ميديا ومع نجم البوب الشهير! ثم يعلق آخرون بأن سلوكها غير مقبول وفاضح؛ فهي أم لإبنة ذي أربعة أعوام؛ إذن، فالقضية لها بعد آخر هو كونها " أنثى". 

ولمَ نُبعد إلى فنلندا لنعرف كم يجترأ علينا غيرنا في قدس أقداسنا وعندنا المثل الحي في بلادنا؟! أتذكرون تلك "المعلمة الراقصة" صاحبة وصلة الرقص على المركب النيلية؟ كانت في رحلة مع زملاء عملها ولسوء طالعها انتشر لها فيديو وصلة الرقص دون علمها وراح من يطالب بإقالتها و هنالك من لم يرَ في الأمر كبير عيب؛ فهي تتنزه وتستمتع في وقت فراغ! وهنالك من يصرخ: هي قدوة ومعلمة أجيال فكيف تأتي ما أتت؟! وهنالك من يجيب: هي انسان قبل كل شيئ وفي وقت فراغها والعيب - إن كان هناك عيب - على من صوّرها! ثم راحت تدافع عن حرية المعلمة الشخصية وكيل مدرسة بالدقهلية، ونشرت بوست عبر "فيس بوك"، ترقص بفستان شبه عاري الأكتاف بفرح ابنها دعمًا لحرية أي شخص!

فلا أدري يا أصدقاء مع أي رأي تميلون؟! وأتساءل وأسألكم: ما هي واجبات العمل الذي يقتضيها منا في أوقات فراغنا؟ وهل للعمل أخلاقيات بداخله مغايرة للأخلاق المتبعة في إطار العرف الاجتماعي؟