لماذا ينبغي لكي نكون سعداء أن لا نعرف ذلك؟
مؤيّدًا للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي فإنني أعتقد أن زيادة الوعي والإدراك علّة حقيقية ومرض، لأن الشخص الواعي دائمًا يفكر ويبالغ في النظر إلى الأشياء، ورؤيته قد تتراءى للعاديين على أنّها تشاؤمٍ مُفرط، فهو يرى أن التفاؤل مجرّد وهم ولا يفضّل العيش فيه..
فالأمل حسبما أعتقد هو أعمق بكثير من سذاجة التفاؤل.
الشخص الغائب في غيابة الجهل لو كان على حافة جرفٍ هارٍ سيكون مستمتعًا أبلهًا وسعيدًا وفي حالة هدوء لأنّه لا يعلم بذلك، أن يكون ساذجًا، معناه أن يعيش مهزلة فظيعة، والكارثة أنّه لا يعلم بذلك، أمّا المُدرك فإدراكه يكون مرضًا لأنّه واعٍ بما سيحدث، روحه مُختزلة في حلقة سوداء، دقيق الحسابات، تثيره قلقًا الأشياء التي لا يمكن لآخر أن يلحظُها، تنقذه من ذلك الحكمة، والحكمة بنت التجربة، الحكمة بنت المعاناة، للوصول إلى نقطة الإدراك الحق، ينبغي على المرء أن يُكابد، أن يُقاسي، كل الأشياء صارت مخيفة جدًا لدرجة مُقلقة بعدما عرفناها، أيادٍ تخنقنا خِفية، واقعٌ مُهترئ، وأجسادٌ نحيفة جدًا بصدد تعمّق أرواحها به، أذهاننا تُرهقنا بحجم انتباهها، على قدر إدراكنا نلوذ بعيدًا عن القطيع، على قدر إدراكنا نُعاني، ولكَم أفقد الوعي إمرؤٌ صحّته، أنهكه كونه يعرف، ولَكم توسّل القدر لو أنّه ما عرف الذي عرف.
لطالما رأيتُ أنني أبلهًا وكنتُ أقود نفسي بعصابةٍ فوق عيون بصيرتي وأذهب عميقًا في الأشياء وأستغرق طويلًا في تفاصيلها، متوجهًا بتوقّدٍ ذهني حاد نحو حجرة كنت أمارس فيها تدمير ذاتي بإدراكي، كنت أثبت فقط أن ليس الوعي إلا مرض فعلًا، وبعدما بلغت تلك النقطة، نقطة ما في اللاشعور، حيث روحي قد استغرقت في ضحكها هازئة وأنا أسترجع ذكرى حماقاتي.
ماذا نفعل حين تأتينا الأشياء التي ركضنا خلفها طويلًا ولم نعد نشتهيها؟
الآن وقد بلغتُ حدًا لا يُستهان به من الرّضى مع عدم الاكتفاء، كل الأشياء التي كنت أركض خلفها لاهثًا، أجدها تجثو على ركبتيها لاهثةً نصب عيناي، وتستجديني أن ألتقطها، ولا أدري، هل أمد يدي نحوها؟ أم يجدر بي أن أُعرض عنها؟
الحق أقول لكم أيّها الصحاب:
أقول لنفسي التي سقطت باكرًا في هُوّة الإدراك، وإلى وعيكم المثقوب، إنّ سُخفًا كبيرًا لا يكاد يُحتمل، قد أخبرني الآن بتموقعٍ ذهني صارخ:
ماذا ترغب في أن تكون؟
أين أنتَ من كل هذا وما الذي تنوي عليه؟
هل بلغت من الإدراك وعيًا يُنقذك من مهزلة الحياة ويدفع بك للقفز عن ترّهاتٍ ساذجة وعقيمة مع إحساسٍ بالألم العذب الذي لا ضير فيه والذي ستشعر نحوه بالإمتنان؟
أو أنّك ترغب في أن تبقى معصوبًا ضيّق الأفق تعيش هزلًا فادحًا بسعادةٍ زائفةٍ روّاغةٍ واهية؟
بالنسبة لي يا أصحابي، الإدراك ليس فقط مرض، فالخروج من هذا اليوم المكتظ بملاحظة فلسفية صيغت في كتابٍ أقرؤه قبل النوم؛ يساوي الدنيا و ما فيها لديّ..
لكن لا أحد يدرك!
أينك يا دوستويفسكي لأخبرك أن الإدراك أمرًا مهمًّا وجنونًا جميلًا في بعض الأحيان قبل أن يكون مرضًا؟!
وماذا عنكم أيّها الأصدقاء؟ هل الوعي الزائد مرض أم شيءٌ جميل؟
أنا متحمسٌ جدًا لكي أسمع آرائكم...
التعليقات