بالتأكيد نعلم جميعا من خلال تجاربنا المجتمعية أن التعصب هو أحد أخطر الآفات المجتمعية ولعله جذر أغلب الشناعات والقذارات التي يرتكبها الإنسان. فأنواع التعصب لا تعد ولا تحصى، من تعصب لدين أو طائفة إلى تعصب لعرق أو جنس أو فكرة، النتيجة واحدة وهي رؤية مشوهة للحقيقة ودافع لاقتراف أفعال تختلف شناعتها باختلاف درجة التعصب والانحياز. أما السؤال اللذي يطرح نفسه، كيف ينشأ التعصب؟ فهل يولد معنا أم نكتسبه لاحقا؟ 

  العالم النفسي الشهير فرويد تناول موضوع التعصب ووضع له تفسيرات نفسية تقوم بشكل أساسي على الكبت في مرحلة الطفولة بالإضافة إلى وجود استعداد فطري للتعصب عند بعض الأشخاص أكثر من غيرهم، ولكنه لا يتشكل دون عوامل خارجية. فالإنسان المكبوت تتشكل لديه نزعات عدوان قد تتجلى على هيئة تعصب والعتقاد بالأفضلية. كما يشير أيضا إلى إن الأنا عند الإنسان المتعصب تكون متضخمة فتنعدم النظرة الموضوعية لديهم ويصبح العقل غير قادر على التحليل بناء على المعطيات والحقائق.

  وفي الكثير من الأحيان نرى أن الشخص التعصب يقدس إنسان معين بطريق مبالغ بها وهنا نطرح تساؤلات عن سلامة تقدير الفرد لذاته وسبب استعداده للتضحية في سبيل إنسان لم يقدم له الشي الكثير أو لا يستحق التبجيل المبالغ فيه. وتكثر هذه الظاهرة عند الجماعات المنغلقة على ذاتها وعند الأفراد الذين لا يختلطون كثيرا مع أشخاص من خلفيات ثقافية ودينية مختلفة. 

 فيوجد من يصنف التعصب على أنع سلوك اجتماعي أو طبع خاطئ ويوجد من يعتبره حالة مرضية تتطلب علاجا. أنا شخصيا أعتيره حالة مرضية فأهم أساسات الصحة النفسية هي القدرة على التحليل الموضوعي والتوازن. فالانحياز المقبول أو الرؤية الغير موضوعية حالة طبيعية في الكثير من الأحيان نظرا للانحيازات المعرفية التي قد تؤثر على أحكامنا. أما حالات التعصب والرفض المطلق للآخرين والاعتقاد بالأفضلية المبالغ به هو حالة مرضيا وسمة للكثير من الاضطرابات النفسية كالشخصية الاضطهادية على سبيل المثال.

فهل تصنفون التعصب كطبع أم تعتبرونه أيضا حالة مرضية تتطلب علاجا؟ وكيف يمكن معالجته إن كان الفرد مصابا به؟