قبل أيّام نشر علي محمد علي (صاحب قناة علي وكتاب) منشورًا قيّما على فيسبوك، ناقش فيه عبارة الكاتب المرحوم أحمد خالد توفيق القائلة:

"ليتنا أنا وأنت جئنا العالم قبل اختراع التلفزيون والسينما لنعرف هل هذا حب حقاً أم أننا نتقمص ما نراه"

أقتبس من كلام علي محمد علي تعليقًا على هذه الاقتباس:

في العلاقة بين الجنسين.. الناس بتمثل اللي شافته في الأفلام والمسلسلات.. وهذا سبب رئيسي في تضخيم الإحساس بالفراغ العاطفي لدى الشباب والشابات قبل الزواج وإشغال عقولهم بالأمر أكثر من اللازم.. فالحب بين الجنسين هو محور معظم هذه الأفلام والأغاني والمسلسلات.. وطبعاً هي تقدم في إطار غير واقعي بالمرة لمزيد من الإثارة.. لكن نتيجة ذلك أن الشاب والفتاة يكون لديهم توقعات غير واقعية سرعان ما تتحطم على أرض الواقع بعد الزواج ويظن كل منهم أنه تعيس الحظ لم يوفق في حياته العاطفية!
ظهرت أيضاً مؤخراً موضة الأزواج الذين يكشفون تفاصيل حياتهم "السعيدة" على يوتيوب والسوشيال ميديا.. ويتابعهم المراهقين سناً أو عقلاً .. ويصدقون أيضاً أن هذا شكل الحياة الطبيعية بين الزوجين!
العلاقة بين الزوجين ما أن تم عرضها على يوتيوب والسوشيال ميديا تتحول من علاقة زوجية وميثاق غليظ إلى بزنس.. بزنس هدفه الربح من جلب المشاهدات .. فلابد من افتعال المواقف واختراع القصص والتمثيل أمام الكاميرا لتحقيق الإثارة المطلوبة... ممكن يبقوا متخانقين مع بعض بس يمثلوا السعادة قدام الكاميرا عشان البزنس يكمل.. وممكن يكون مفيش بينهم مشكلة بس يمثلوا إنهم متخانقين عشان يعملوا شوية دراما وبعدين يتصالحوا والجمهور الأهبل يصدق ويعمل لايك ويشوف الإعلانات!

ويستمر المنشور على هذا المنوال، وسأضع لكم رابطه في نهاية المساهمة.

وأنا من المناصرين لما قاله، للمُدخلات الخارجية التي تتمثّل اليوم بالاعلام وما يقدّمه من مسلسلات وأفلام، لكل ذلك أثر كبير على توقّعاتنا وخيالاتنا.

لكن، إذا عُدنا للاقتباس الأول:

"ليتنا أنا وأنت جئنا العالم قبل اختراع التلفزيون والسينما لنعرف هل هذا حب حقاً أم أننا نتقمص ما نراه"

إذا عُدنا للعالم قبل اختراع التلفزيون والسينما، هل حقًا لم نكن لنتأثر أو نتقمَّص طريقة "حب" أحدهم؟

أقول: لا يخلو أحد من التأثّر بالمُدخلات، أكانت مُدخلات عصر ما قبل التلفاز أو ما بعده. فالذي لم يعرف التلفاز كان سيتأثّر بقصص حب أهله وعشيرته، أو قصص حب الأساطير التي تروى في بلدته.

أتخيَّل أنَّ من كان يعيش العصر الجاهلي القديم، كان سيتأثر ويتقمَّص قصة حب امرئ القيس لفاطمة، وسيقول لها على الكثيب حين الفراق:

أفاطمُ مهلًا! بعضَ هذا التدلّلِ

وإن كُنتِ قد أزمعتِ صرمي فأجملي!ّ

أغرَّك منِّي أنَّ حُبَّك قاتلي؟!

وأنَّك مهما تأمري القلبَ يفعلِ؟!

بل لماذا التخيّل، هذا طرفة بن العبد، وهو شاعر كبير أخر، قد تأثّر بقصّة فراق امرئ القيس لحبيبته، فكتب في معلّقته المشهورة (لخولة أطلال) بيتًا مقتبسًا من امرئ القيس بالكامل:

وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطيَّهُم

يَقولونَ: لا تَهلِك أَسىً وَتَجَلَّدِ!

يقول الشاعر أنّه في موقف الفراق، وقف عليه أصحابه، ونزلوا من مطاياهم، وقالوا له تصبَّر يا رجل، ستهلك من الأسى!

والتأثر بائن واضح في الشعر لأننا نملك سجلات الشعراء، واقتباس الشعراء أصعب من اقتباس قصصهم، يجب أن تكون ماهرًا في الشعر لتقتبس البيت اقتباسًا فنيًا عاليًا. أمّا الشخص العادي، رجل الحيّ ورجل البلدة، ما كان يحتاج إلى كل هذا التعب الذهني، سيفكّر أنّ حبيبته مثل فاطمة، وأنّ حبّها قاتله، وأنّها تتدلّل!

أقول: نملك خيارين في معركة التعامل مع المُدخلات، الخيار الأول أن نُقلّل تعرّضنا لها. إن لم نكن نشاهد المسلسلات والأفلام لن نتأثر بقصص حبّهم. صحيح. لكن ماذا لو رأيت اعلانًا في الشارع في طريق عملك كل يوم؟

هنا يأتي دور الخيار الثاني، الخيار الأكثر منطقية، ذلك الذي يتضمَّن تقييمًا مستمرًا للشخص للمدخلات التي تحاول اختراقه، ويزنها بما يعرف من قيم ومبادئ، فيأخذ الصالح منها ويطرح الطالح.

وأنت؟ ما رأيك بكل هذا الضجيج حول المُدخلات التي تأتينا من الخارج وطريقة التعامل معها؟