دائمًا ما كنت أجيب عن هذه الأسئلة من منظورٍ واحد فقط؛ ومجمله الحديث عن البلاء والكبد الدنيوي. لكن بقدرٍ عجيب وقع أمامي كتاب اسمه هبة الألم اسم لافت للغاية، وسألت نفسي قبل القراءة أي نعمةٍ التي يقصدها؟! وما تصفحت الكتاب حتى تحول تفكيري تمامًا. لذلك دعني آخذك في عرض قصة من الكتاب؛ لتعرف موضوعه أكثر.

 كتاب هبة الألم لـ بول براند

استهل المؤلف كتابه بقصة طفلةٍ مريضة كان يشرف على علاجها؛ كان الطبيب متخصص في مرض الجذام؛ وكان أهل البنت يظنون أن مرضها قريب منه؛ لكن الأمر لم يكن كذلك.

 عندما رأى الطبيب الطفلة وكانت تعاني قروحًا متعددة؛ كان يحاول نزع الضمادات بحرصٍ شديد؛ حتى لا تتألم وأخذ ينظر إلى وجهها بحذر؛ فإذا بالطفلة لا تصدر أي ردة فعل، وهنا سأل أمها ما المشكلة؛ فأخبرته أن صغيرتها ولدت بدون مشكلة، ولكن بعد مرور بضعة أشهر وجدتها تلهو بصبغةٍ حمراء وترسم بها؛ فدققت النظر؛ فإذا بالبنت ترسم بدم أناملها المبتورة! فالفتاة كانت تقضم أصابعها بدون شعور بأدنى درجة من الألم!

حينها ذهل الطبيب وأخبر الأم إن طفلتها مصابة بطفرة جينية نادرة اسمها (عدم الشعور الخلقي بالألم - Congenital indifference to pain) الأمر الذي جعلها تدوس على بعض الأشياء الصلبة؛ فتنجرح ولا تشعر، وتكسر ساقيها عند اللعب؛ فلا تصرخ؛ مما سبب لها حالات خطيرة. 

ناقش الطبيب في كتابه الألم وفلفسته من نواحٍ مختلفة، تحتاج إلى سلسلة من المقالات لتناقش الأفكار التي أوردها. ولم أكتب المقال لأسلط الضوء على الكتاب وموضوعاته؛ لكن لأثير في عقلك ما أثير في عقلي من أسئلة؛ ألا تظن أن الشعور بالألم نعمة حقيقية؟!

فشعورنا أن الحمل ثقيل وأن ساقنا لا تتحمل الوقوف أكثر، أو أن أناملنا تنزف كلها نعم حقيقية تستحق الشكر، وحتى في حياتنا بشكلٍ عام يمكن القول أن من يتألم سيتعلم؟

فجيمعنا مر بطور الطفولة، والغالبية تعرضت لحوادث مثل الاقتراب من سطحٍ ساخن، أو محاولة العبث بأداة حادة، وبعدها ندرك خطورة الأمر، وحتى عندما تركنا طور الطفولة؛ وخضنا تجاربنا العاطفية وتذوقنا بعض آلام المشاعر؛ حينها أدركنا أن هذا الألم النفسي خير درسٍ لنا في الحياة؛ فالألم الآن ضرورة حقيقية وبدونها لن تصبح الحياة ذات قيمةٍ فعلية وهذا ما يمكن أن نسميه بـ

الوجه الآخر للألم

 بالفعل الألم يحمل منحة وهبة ربانية تجعلنا نفكر جيدًا في الوجه الآخر له. فالألم أحيانًا يكون إنذار بأننا نسير في طريقٍ غير صحيح، والألم يخبرنا بحقيقة الآخرين، والألم بشكله العام البدني والنفسي هو المعلم الأكثر تأثيرًا للبشرية. والآن كيف يمكن للألم أن يكون وسيلة للتعلم؟ وهل ترى أن الألم النفسي يتساوى مع الألم البدني في قيمته؟!