كم يتضخم الألم حين تتضخم الأنا، كأن الذات إذا انتفخت صارت قنبلة موقوتة لا تحتاج سوى إلى وخزة صغيرة لتنفجر. المتكبر ليس قوياً كما يظن، بل هشٌّ في عمقه، يتألم من كلمة عابرة أو تجاهل عادي؛ لأن مرآته الداخلية مضطربة، تبحث عن التصفيق لتشعر بوجودها. كلما عظمت صورته في داخله، ضاقت مساحته للسكينة، حتى غدا أسيراً لجراح لا يراها أحد سواه.

أما المتواضع، فهو من حرّر نفسه من هذا الأسر. لم يعد يرى ذاته مركزاً يدور حوله الكون، بل جزءاً من نسيج أعظم. التواضع هنا ليس تراجعاً ولا ضعفاً، بل حكمة وسموّ، لأنه ينقل الإنسان من ثِقَل "الأنا" إلى رحابة الروح. وربما لهذا وعد الله عباده المتواضعين بالرفعة، إذ قال: "مَن تَوَاضَعَ لله رَفَعَهُ"؛ فالرفعة الحقيقية لا تُنال بالصوت العالي ولا بالكرسي المرتفع، وإنما بالانحناء الصادق نحو الناس.

يكفينا أن نرى في الإمام علي بن أبي طالب صورة حية لهذا المعنى. رجل كان خليفة يحكم الأمة، وقائداً لا يشق له غبار، ومع ذلك نزل بنفسه إلى السوق ليبيع درعه، وأكل خبز الشعير الخشن وهو القادر على أن ينعم بأطيب ما تشتهي النفوس. كان يجلس بين أصحابه فلا يتميز عنهم بلباس أو مجلس، حتى يظنه الغريب واحداً منهم. ذات مرة رأوه يخصف نعله بيده، وقال لمن حوله: "والله لهي أحب إلي من إمرتكم إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً". أي عظمة هذه التي تجعل السلطة عنده أقل شأناً من نعله البالي؟! إنها رفعة التواضع الذي لا يطلب جاهاً ولا مجداً، بل يطلب حقاً وعدلاً.

في هذه النماذج تتجلى المفارقة: المتكبر يظن أنه يعلو في عيون الناس، بينما هو يسقط في قلوبهم؛ أما المتواضع فلا يسعى لعلو، لكنه يرتفع من حيث لا يحتسب. ومن ذاق لذة التضحية الصادقة، شعر بسعادة باطنية لا تقارن بمال ولا بمنصب. تلك اللذة أشبه بضوء داخلي يملأ الروح، حتى لو كان الجسد في ضيق وفقر.

الحقيقة أن الألم يتناسب مع حجم الأنا، وكلما صغرت الأنا، كبر الصفاء واتسعت السعادة. ومن أراد رفعة لا تنكسر عند أول امتحان، فليقتدِ بأمير المؤمنين عليٍّ، الذي علّمنا أن التواضع تاج الروح، وأن العظمة لا تُقاس بما نملك بل بما نتنازل عنه طواعية لأجل الآخرين.

في الختام أحب إضافة عبارة وردت أمامي إستوقفتي متأملا" وهي تعتبر كأسلوب سلوكي تربوي عبارة:

"التكبر على المتكبر عبادة "

آرائكم تغني وتفيد المعنى في تفسير هذه المقولة ؟؟؟؟

فما قولكم ؟؟؟؟؟؟