جميعنا تتحكم فينا المشاعر ولو بقدرٍ بسيط؛ فالمنطق العقلي أحيانًا لا يكون السبيل المثالي في حياتنا. والصراع القائم بين العقل والميول العاطفية هو نزعة إنسانية ستظل ما دامت البشرية موجودة. فلو فكرنا للحظاتٍ في قراراتٍ مصيرية تتعلق بأقرب الناس إلينا سيتنازل الكثيرون عن مبادئ ثابتة في حياتهم لأن العاطفة غلبتهم؛ وهذه طبيعة البشر. وأفضل توصيفٍ لهذا من وجهة نظري ما صاغه الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه سيكولوجية الجماهير

جوستاف لوبون هو عالم اجتماعٍ فرنسي وطبيب وفيلسوف ومؤرخ وكأنه موسوعة علمية متكاملة. يُعد عمله الأشهر كتاب سيكولوجية الجماهير وهو يركز فيه على تحليل الجماهير وسلوكهم وعواطفهم والعوامل التي تؤثر عليهم. وفيما يتعلق بالعاطفة والفكر ذكر وصفًا موجزًا وقال:

والرجال الأكثر عظمةً وتفوقًا لا يتجاوزون -إلا نادرًا- مستوى الناس العاديين في كل ما يخص مسائل العاطفة من دين وسياسة وأخلاق، وتعاطف وتباغض؛ فمثلًا يمكن أن توجد هوة سحيقة بين عالم رياضيات شهير وصانع أحذيته على المستوى الفكري، ولكن من وجهة نظر المزاج والعقائد الإيمانية؛ فإن الاختلاف معدوم غالبًا، أو قل إنه ضعيف جدًا.

ما قاله لوبون هذا يؤكد أن العواطف غالبًا يكون لها السطوة على العقل؛ فمهما كنت تمتلك من مهاراتٍ فكرية؛ فلن تلتزم بسمتٍ حضاري وأنت تتابع إحدى المباريات الكروية لفريقك المفضل؛ فإذا مررت بمقهى في شوارع مصر في وقت المباراة؛ لن تستطيع التميز بين الصارخين؛ فالكل وقت العاطفة سواء. والقضية المهمة هنا هي:

 مسألة الموضوعية في الحكم وعدم التأثر بالعاطفة

إن الموضوعية تعني عدم التحيز إلى رأيٍ بعينه واتخاذ القرار بناءً على الأدلة العقلية والمنطقية، حتى وإن كان القرار لا يوافق هوى الشخص. وهذه المسألة تكون إلزامية في الأوساط الأكاديمية على الرغم من عدم ضمان تحقيقها بنسبة 100%. لكن الأصل هو السعي إلى إصدار قرارات موضوعية تنبع من الدليل نفسه، والمنطق وليس من الأهواء والمصالح الشخصية، ولكن هل تظن أن عالمنا به موضوعية حقيقية؟!

من وجهة نظري وبكل بساطة أقول لا فالأمر لا يحدث بصورةٍ كاملة، حتى في الأوساط الأكاديمية توجد تحيزات لآراء بعينها، ويحدث ما يمكن أن نطلق عليه لي عنق الحقائق؛ لتوظيفها لأغراضٍ شخصية. وحينها يمكن أن نطلق على النتاج العلمي الصادر من جهاتٍ غير موضوعية اسم العلم الزائف!

في رأيك  هل تؤمن أن عالم اليوم موضوعي بالمعنى الحقيقي للكلمة؟ وكيف نربي أبناءنا على اتخاذ القرار الصحيح دون التأثر بالآخرين؟