استمعت اليوم عبر قناة البرنامج الثقافي إلى مسرحية تدعى "أنت لست جارا" لعزيز نيسين. لفت انتباهي الاسم الغريب وأردت أن أعرف من هو جارا ولماذا يتهمون الناس بانتحال شخصه؟

حسنًا بدأت المسرحية بموكب ضخم وتمثال لبطل شعبي اسمه جارا ومجموعة من الناس أصحاب المناصب العليا يتحدثون عنه وعن شهامته وبسالته في الحروب وعن استشهاده مدافعًا عن مدينته وعن توصياته لهم ويصفونه من طول وعرض وملامح ومميزات وفي المقابل يهلل الناس حبًا لبطلهم المزعوم بل إنه في نهاية الموكب يقولون أن اسم مدينتهم ستسمى على اسمه ويسعد الجميع. في هذه المرحلة بدأت في التفكير عن روعة هذا الجارا وكيف أنه حقًا بطل عظيم ولكن لا تأتي الرياح دائمًا بما نريد.

بعد انتهاء الموكب لا يتبقى سوى المتحدثون الثلاث والذين مجدوا البطل منذ قليل ثم يقترب شخص رث الهيئة من أبواب المدينة والتمثال ولخوفهم أن يتعرض للتخريب يذهبون إليه لينهروه ويطردوه ولكن يالمفاجأة إنه يتعرف على واحد منهم ويقول له ألا تعرفني؟ إنه أنا جارا!

يتضح أن الثلاث رجال الذين أدعوا معرفة جارا في الواقع لا يعرفه فيهم سوى شخص واحد وقد أكد هذا الشخص أن جارا الواقف أمامهم والذي يختلف عن التمثال كأنهما شخصان مختلفان هو في الواقع جارا الحقيقي وعندما يتحدثان معه يكتشفان أنه لم يكن بطلًا يومًا بل شخصًا حقيرًا ونذلًا ولكن ظروف الحرب والحياة جعلت بعض مواقفه تفهم بشكل مختلف ومع تناقل الأخبار من مكان لمكان ارتفع اسمه وشأنه وهو حتى لا يعرف ثم أصيب وهو يحاول الهروب من معركة فوصلت أخبار استشهاده قبل موته الحقيقي! كما أنه في الواقع كان جاسوسًا ولم يكن وطنيًا من الأساس ولكنها عجيبة الأخبار كيف تطبخ في العقول وتتناقلها الألسن حتى تبتعد تمامًا عن الحقيقة. 

وهنا اتسائل كم من حقائقنا هي حقائق فعلًا؟ وليس أخبار تناقلتها الألسن حتى فقدت معناها وحقيقتها؟ وإن كان هذا الواقع فماذا عن الماضي؟ كيف يمكننا أن نثق بالأخبار التي تصلنا؟ وكيف نتأكد أن التاريخ صادق ولم يفسر على أهوائنا؟ إنها حقًا مشكلة لا أعرف الفرار منها.