نحن نتخلى عن ثلاثة أرباع أنفسنا لكي نصبح مثل الآخرين

مقولة للفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور جعلتني أتوقف أمامها مليا لما لامسته من الصدق و الحكمة العميقة فيها.

الآخرون مرة أخرى، الآخرون يشكلون هاجسا نتحدث عنه كثيرا على حسوب، و هنا جانب آخر. ليست مجرد محاولة لتقليد الآخرين أو التخلص من تأثيرهم أو حتى الاعتراف بأننا نتشكل بهم و نحتاجهم، بل أكثر من ذلك. لقد صرنا نتخلى عن جلنا من أجل الآخرين، من أجل أن نشبههم.

و أرى المقولة صحيحة، فنحن حرفيا نتخلى عن ثلاثة أرباع أنفسنا لنشبههم: الآخرون، و ذلك بشكل لاواعي.

هناك مصطلح يطلق عليه التقليد الأعمى و قد أجريت تجارب مثيرة حول ذلك. مثال وثائقي شاهدته على ناشيونال جيوغرافيك، حيث يضعون بغرفة انتظار أشخاصا يعملون معهم، يدخل شخص آخر لا يعرف ما يحدث و يجلس لينتظر. ثم تسمع صافرة فيقف باقي الأشخاص ما عداه هو الذي لا يفهم ما يحصل. و بعد بضع دقائق تسمع الصافرة فيقفون، هذه المرة يرتبك. و في الثالثة يقف أيضا. و هكذا كلما سمعت الصافرة يقف معهم. ثم يخرجون الواحد تلو الآخر و يبقى وحده، تسمع الصافرة فيقف رغم أنه وحده، ثم يدخل شخص آخر لا يعرف ما يحصل و يتكرر الأمر. و في تجربة أخرى يجرون اختبارا بين مجموعة من الأشخاص و قد اتفقوا معهم ما عدا واحدا تجرى عليه التجربة، يطلب منهم الإجابة على أسئلة سهلة و بديهية، يجيب هو بشكل صحيح، بينما يجيب الآخرون خطأ عمدا، و تحسب إجاباتهم صحيحة بينما يقال له أن إجابته خطأ. و يتكرر ذلك مع أسئلة أخرى بديهية. في الأخير، يجيب ذلك الشخص أيضا إجابة خاطئة في الواقع.

بهذا يظهر التأثير العظيم للآخرين علينا و رغبتنا في تقليدهم لدرجة أن نتخلى عن أنفسنا. و أنا ألاحظ ذلك سواء شخصيا أم لدى الآخرون. كأن تكون المجموعة تضحك فتضحك أيضا رغم أنك لا تعرف السبب أساسا.

قد يرجع السبب إلى أننا لا نريد أن نبدو غريبين و شاذين عن المجتمع.

هل تتفق مع شوبنهاور؟ لماذا برأيك نسعى لنشبه الآخرين؟ هل ذلك سيئ دائما؟ و كيف نتخلص من هذا؟