" إذا أردتم أن تمنحوا الدولة ثباتا فقربوا بين الطرفين الأقصيين ما استطعتم، ولا تحتملوا وجود أناس أغنياء وفقراء؛ ... فمن أحدهما يظهر أعوان الطغيان ومن الآخر يظهر الطغاة، وبينهما تقع معاملة الحرية العامة؛ فأحدهما يشتري والآخر يبيع."

كان ذلك أحد أهم المبادئ الإجتماعية اللازمة للحفاظ على استقرار الدول والمجتمعات، كما ذكره الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو بكتابه الأبرز "العقد الاجتماعي".

وفيه يشرح روسو كيف أن العقد الاجتماعي -كممارسة وعرف اجتماعي متبع- ظهر منذ بدايات الحياة البشرية، حينما كانت تعاش بشكل عشوائي، فحاول العقل البشري وضع اتفاقا من أجل تنظيمها في شكل مجتمع منظم؛ بحيث يتخلى الأفراد عن جزء من حرياتهم طواعية، ليتمكنوا من الاستمتاع ببقية حقوقهم في سلام ودون نزاعات.

وبوجه عام تدل نظرية العقد الاجتماعي على مجموعة من الأسس والالتزامات الأخلاقية التي تكون مشتركة بين مجموعة من الأشخاص لكي يشكلوا المجتمع الذي يعيشون فيه، بحيث تكون هذه الالتزامات ضمن إتفاق مبرم بين هؤلاء الأشخاص، لتحديد الملامح الأساسية التي يتشكل عليها محيطهم الاجتماعي.

وبشكل عام تشترك معظم نظريات العقد الاجتماعي في نقطة إنطلاقها، وهي فحص حالة الإنسان في غياب أي نظام سياسي أو اجتماعي، وهي ما تعرف ب"الحالة الطبيعية"، وفي هذه الحالة تكون أفعال الأفراد مرتبطة فقط بقوتهم ووعيهم الشخصي بدون أية قواعد أو قيود..

وبعد تأملي لنظرية العقد الاجتماعي، وجدتني مجبرة على تأمل واقعنا الإنساني المعاش؛ فرأيت أن الكثيرين قد جنحوا للعودة إلى تلك " الحالة الطبيعية"، ليصبح مبدأ البقاء للأقوى هو السائد من جديد، سواء في ما بين الأفراد أو الجماعات والدول!

فعند النظر لحالة أفراد مجتمع ما، سنجد هوة شديدة ما بين مستوياتهم المعيشية والتعليمية والصحية كذلك!

 فالبرغم من أن الجميع أصبح يدرك تماما أهمية مراعاة البعد الاجتماعي بكل ممارساته، إلا أننا مازلنا نعاني من انتهاك واضح لبنود "عقدنا الاجتماعي"،

ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح شديد مثلا، عند مشاهدة مواد إعلانية لخدمات ترفيهية -متاحة لبعض أفراد المجتمع-، متبوعة بإعلانات لجمع تبرعات -لسد الإحتياجات الأساسية لبعض أفراد المجتمع ذاته- !!

هذا بالرغم من أن ذلك المجتمع ملتزم "بعقد إجتماعي" يقضي بسد تلك الفجوة المهولة بين أفراده، لمحاولة تقريب الطرفين الأقصيين، حسب تعبير روسو.

شاركونا برأيكم، هل أصبحنا بحاجة لعقد اجتماعي جديد؟

وما هي أهم البنود الواجب توافرها بذلك العقد، حتى يحفظ لجميع أفراد المجتمع حقوقهم؟