الرغبة في مقابلة روائي لأنك تحب كتابًا له، هي مثل الرغبة في مقابلة بطة!!

رغم عدم اتفاقي مع المقولة من الأساس، لكن هنا هي لا تقصد تشبيه الكاتب بالبطة ولكن تشبيه الرغبة نفسها وأننا نربط أمرين ليسوا انعكاس لبعضهما.

بالعادة أجد من خلال الكتب التي قرأتها أن الكتابة انعكاس للكاتب بشكل كبير، ويمكننا تكوين صورة ولو بسيطة عن الكاتب واهتماماته وأرائه أيضا، وهذا ربما تلمسيه عندما تقرأي عدة كتب لكاتب واحد وقتها ستجدين أن هناك فعلا صفات قد تكوني كونتيها تشبه شخصية الكاتب بالحقيقة.

تعتبر الفواجرا أو كبد الإوز أو البطّ من أغلى الوجبات.

هل تعلمين نور الهدى بأنّ كبد البط والإوز يباع في فرنسا بحدود 80 يورو؟؟

ما أعنيه أنّ ما ذهبت إليه الكاتبة مارجريت إلى أنّ جمال الكتاب أحياناً يجعل رغبتنا شديدة بلقاء الكاتب.. كذات ما تعتبر البطة أو الإوزة على بساطتها ثمينة بسبب ارتفاع سعر كبدها وفوائده.

حين قال النعمان بن المنذر لضمرة بن شقة (تسمع بالمعيدي خير من أن تراه) فقد كان لما رسمه النعمان من صورة للرجل الشجاع الذي لم يستطع النعمان على إيقافه، وحين رآه على ضآلته وشكله قال قولته التي ذهبت مثلاً.

لذلك لستُ من أولئك الذين يتمنون أبداً أن يتعرفوا على أديب أو فنان أو شخص تعلّقوا به نتيجة أعماله، لأنني أحب أن أبقيه بالشكل الذي رسمه خيالي له فلا تتشكّل الصدمة (إيجابية كانت أو سلبية) من واقع اختلافه عن ما رسمته له من تفاصيل.

لأنك تحب الفواغرا.

المعنى؟

وهل أنتم تهتمون لرؤية الكاتب ومقابلته؟

الحقيقة نعم، لدى كاتبين أود لقائهما، أيمن العتوم، وخولة الحمدي..

عن أيمن عتوم لا أخفي صدمتي حين بحث عنه وعن حساباته، ظننت أنه لا يزال شابا يافعا وصغيرا، لأتفاجئ أنه من مواليد 1972، ولكن ليس بشكل سلبي، فقد وجدت فيه إنسانا مغايرا لكتاب هذا الوقت، طيب وخلوق، ولاحظت هذا حتى في البث المباشر الذي يبثه في انستغرام، ولكما عرفت عنه، إلا وكبر في عيني أكثر..

خولة الحمدي حين بحث عنها، بدورها وجدتها ليست فتاة لا تزال صغيرة بل مواليد الثمانينات، وأكثر ما صدمني أنها تحمل الدكتوراه في الكيمياء، وهو أمر نادر بالنسبة للكاتب، الذي عادة يكون تخصصه أدبيا محضا، ومن خلال صفحتها تبدو شخصية محببة للغاية..

عداهما لم أشعر بالفضول حتى لأي كاتب، بل فقط أقرأ وأنصرف، لكن هؤلاء الكاتبين لهما مكانة في قلبي، خاصة أنهما يصوران ويمثلان الكاتب الروائي العربي بشكل جيد..

ليس دائما المقولات التي نصادفها صحيحة

أرى أنها مخطئة كل الخطأ في هذا الوصف، فقد كان بإمكانها كتابة مقولة أفضل من هذا الوصف.

هي تريد أن تخبرنا أنه لا علاقة بالكاتب بما يكتب، أي لا وجه شبه، ولا مقارنة.. لكنها أخطأت.

بالعكس فأنا أعتقد أن تشبيهها في محله، فربما لو اختارت لفظًا أقل تأثيرًا ما كنا تعمقنا في فهم معناه، وأسقطناه على تجاربنا الشخصية!

وهل أنتم تهتمون لرؤية الكاتب ومقابلته؟

نعم، انه الكاتب أدهم شرقاوي، أول رواية قرأتها له كانت نبض ومنذ ذلك الحين بدأت رحلتي مع كتبه التي أحببتها كثيرا وراق لي أسلوبها و فحواها لدرجة كبيرة، قادني ذلك للبحث عن الكاتب عبر الأنترنت و أصبحت أتابعه على كلّ المواقع، و قد كانت شخصيّته كما توقّعت تماما، والآن سمعت بأنه سيكون حاضرا في تركيا، وكم غبطت أهلها🥺، أنتظر زيارته للجزائر أو زيارتي أنا له.

رأيي في مقولة مارجريت أنها مقولة سطحية، فمقولتها ركزت على الشكل الخارجي للكاتب، أيعقل أن يركز القارىء عن شكل الكاتب و يهمل الكتاب ومضمونه ،فالقارىء الحقيقي يركز على ما كتبه الكاتب، وهل يضيف محتواه شيئا جديدا للعالم أم لا، أو إضافة فكرة جديدة، أو تجربة يتعلم منها الشخص، فحياة الشخصية للكاتب تعكس أحيانا في كتاباته، فعندما يعجبك محتوى كتاب معين، فأكيد ستعجب بذلك الكاتب، من طبيعتي لا أتخيل شكل الكاتب بل أركز على ما يطرحه أكثر، فالكاتب نحكم على أفكاره لا شكله، وينتقد على أساس ذلك، لأن شكل ينتقد عندما يكون الشخص عارض أزياء أو يعمل في عالم الأناقة والجمال.

أتفق معك، إذ أن الكاتب مهما حاول التنصل من شخصه في نصه لا يستطيع نزع ذاته سواء في طرح الأفكار أو مناقشتها أو وصف الأشياء والأحداث فبالنهاية الكاتب لا يكتب إلا ما يراه بعينيه بحساسية عالية وتحليل ذهني يختلف عن باقي الناس ولهذا يسمى كاتباً، وبالمناسبة؛ من الجميل أن يقابل الشخص كاتبه المفضل أو كاتب روايته المفضلة، سيتجسد العمل في عيني الكاتب وفي كلماته وحتى في حركاته، إذا سمحت لكم الفرصة بمقابلة كاتب لا تفوّتوا الفرصة..

تقول الكاتبة مارجريت: الرغبة في مقابلة روائي لأنك تحب كنابا له، هي مثل الرغبة في مقابلة بطة، لأنك تحب الفواغرا.

البعض يتخذ الكتّاب قدوة قد يرغب في مقابلة كاتب ما بنية الاستفادة منه, سؤاله والحديث معه في موضوع, أو أخذ رأيه في مسألة لأن رأيه يهمه.

وهناك من له نظرة رومانسية للكاتب كنظرته لممثليه ورياضييه المفضلين فيرغب في مقابلته لشخصه ولالتقاط صور سيلفي معه.

لذا إن كان مقصد مارجريت الفئة الثانية فقط فهي صحيحة تماما من وجهة نظري, وهذا لا يعني أن مقابلة كاتب بغرض التقاط الصور والدردشة الشخصية أمر خاطئ, إذ لا مانع من مقابلة بطة لأننا أحببنا أكلها, فنحن نرغب في مقابلة أشخاص وأشياء عدة بحياتنا غير ذات أهمية.

بحكم المهنة.. قابلت الكثير من الكتاب وأهل الفن والثقافة...بل وتعاونت معهم ايضا أدبيا وماليا...

والحقيقة أنه بالفعل لا علاقة بين المنتج الثقافي الذي يقدمه الكاتب وبين شخصيته.. قابلت هذا الكاتب الذي تتمحور معظم كتابته عن حياة الفئة المتوسطة في مصر، وكيف تدل كتابته ومصطلحاته على احتكاكه بهم وحياته معهم، وكيف أنه بسيط ينزل للفقراء ويعيش وسطهم...

وعندما قابلته كان كُتلة من الغرور والتعالي.. كأنه يعيش في برج عاجي أو كأنه يتلقى وحيا من السماء!

والعكس بالعكس.. قابلت من كنت أظنهم مغرورين ثم وجدتهم بسطاء للغاية... وهذا يجعل مقولة مارجريت صحيحة الى حد ما..

لكن عندي رأي أخر...

ماذا لو كنت أنا مخطئا في حكمي على الكاتب بالأساس؟

يعني هذا الرجل المغرور، هل كان مغرور بالفعل أم أنني رأيته وهو متضايق من أمر ما مثلا؟ هل كان يرفع رأسه للسماء ويشد جسده لأعلى بسبب أنه يتعالي على البشر، أم لأنه مصاب بالإمساك ويحاول التخلص من بعض الأمغاص؟ هل هو المغرور أم أنا الذي لا أستطيع الحكم على البشر؟

الكاتب الذي أقول أنني وجدته بسيطا متعاونا مع الجميع.. كيف سيكون رد فعله عندما يتأخر ايداع أمواله في البنك؟ ماذا سيفعل لو ارتطمت سيارة بسيارته؟

في النهاية تعلمت أن أتعامل مع الناس بشكل منفصل تماما عن منتوجهم الأدبي.. فأنا نفسي كصانع لهذا المحتوى، تختلف شخصيتي عندما أجلس في هدوء لأكتب في ساعة متأخرة من الليل، عن سلوكي على الشاطىء مثلا مع مجموعة من الأصدقاء ونحن نلتقط بعض الصور المجنونه

ما رأيك أنت يا نور الهدى؟

أنا لا أرى يا نور الهدى أن مارجريت قصدت التبخيس من قيمة الكاتب بوصفه بطة، لأنها لم تصف الكاتب من الأساس، و إنما وصفت الرغبة ف يمقابلتهم، و هذا مختلف.

صحيح أن الكاتب قد يكون مختلفا تماما عن كتاباته، لكن ألا تعتقدين أن الكاتب لا بد و أن يضع شيئا من ذاته في الكتاب؟

ما رأيكم في مقولة مارجريت؟

لا أوافقها. قد نرغب في مقابلة الكاتب لشخصه، و كما قلت لك، فأنا لا أرى أن الكاتب مختلف تماما عن كتاباته. مقابلة الكاتب تساهم في فهم كتاباته.

وهل أنتم تهتمون لرؤية الكاتب ومقابلته؟

إذا أتيحت لي الفرصة فلما لا؟ لكن الكشكلة هي أن معظم الكتاب الذين تعجبني كتاباتهم ماتوا. لا أقرأ كثيرا للمعاصرين.

لا أرى التعليق مهين أبدا، في الحقيقة أعجبني كلامها، فالكتاب هو خلاصة خبرات وأفكار الكاتب، الذي دون فيه أغلى ما عنده، وأهم ما يراوده، لن نجد على الأرجح على أرض الواقع إلا بشرا عاديين تماما، السطحي ربما سيصدم عندما يرى البطة، لكن في الحقيقة علينا أن نحب البطة ولو لم يعجبنا الريش، لأنها أعطتنا كبدها

أقصد علينا أن نتقبل بشريتنا وبشرية الآخرين كذلك