يعاني حوالي 1.2 بليون شخصاً حول العالم من نقصِ الحديد، ويكثرُ بين النساء مقارنةً بالرجال، وتشملُ أعراض نقصهِ انخفاضَ أداءِ العمل، والتعبَ، وفقرَ الدمِ، والصداع.
من جهةٍ أخرى، يُعتبر تعزيزُ مستوياتِ الحديد في الجسم عبرَ النظامِ الغذائي أو المكمّلات الغذائية أمراً ليس بالسهلِ، إذ يتوقّفُ ذلك على كونِ الحديدِ بشكلٍ يسمحُ للجسم بامتصاصه والاستفادةِ منه، كما أن إضافةَ الحديد للأغذية بهدفِ تدعيمها ليس ممكناً دائماً، إذ أنه قد يغير من لونِ وطعمِ ورائحة الطعام فيُخفّفُ من قابليةِ المستهلكين لتناولِه.
وهنا يأتي دورُ اكتشافِ اليوم، والذي سنتعرّف عليه في هذا المقال متمثّلاً بمادةٍ هجينةٍ مصنوعةٍ من أليافٍ نانويّةٍ لمصلِ اللبن مع جزيئات الحديد النانوية. فمصلُ اللبن مادةٌ بروتينية تعتبرُ منتجاً ثانوياً لصناعةِ منتجاتِ الألبان، كما أن أملاحَ الحديد متوفرةٍ بشكلٍ يسيرٍ حولَنا.
كيف صُنِعت هذه المادة الهجينة إذاً؟
سُخّنت بروتيناتُ مصلِ اللبن Whey proteins إلى الدرجة 90 مئوية بشكلٍ يضمن تعرّضها للدنترة (أو التشوّه) وبمعنى آخر عُرّضَت لتغيّراتٍ بنيويةٍ في جزيئة البروتين، ثم تمّت حلمهتُها في وسطٍ حمضيّ قوي فتشكّلت خيوطُ البروتين التي عادَت واصطفّت بجانبِ بعضِها البعض لتشكّلَ لُيَيْفاتٍ بروتينيةً نانويةً.
جُمعَت هذه الأليافُ أثناءَ وجودِها في الحمض مع كلوريد الحديديك FeCl3 فتكوّنت جزيئاتٌ نانويّةٌ سهلةُ الامتصاص من الحديد بقطرِ 20 نانومتراً، ارتبطَت مباشرةً مع سطحِ اللُّييفاتِ البروتينية بشكلٍ فعالٍ ومستقرّ. وبذلك تغلّب الباحثون على خاصيّةٍ يتّصف بها الحديد لطالَما شكّلت عقبةً في وجهِ تدعيم الأغذية بهذا العنصر، إذ تميل جزيئات الحديد عادةً إلى التجمّعِ مع بعضِها ثانيةً لتكوّن جزيئاتٍ أكبرَ حجماً فتزيدُ من صعوبةِ خلطِها مع الأغذيةِ والمشروبات.
استُخدمت الليفات النانوية المحمّلةُ بالحديد لتغذيةِ فئرانٍ تعاني من عوزِ الحديد، فوجدوا أن هذه الطريقة بتقديم الحديد قد ساهمَت بالتغلب على نقصهِ ومعالجةِ فقرِ الدم الناتج عنه وذلك بفعاليةٍ تُكافؤ مركبَ كبريتاتِ الحديد FeSO4، والذي يُعرف عنه أنه المكمّلُ الغذائيّ الأكثرُ شيوعاً عند البشر، والذي يُعابُ عليه تسبّبُهُ بتغييراتٍ حسيةٍ غيرِ مرغوبٍ بها في الأغذية التي يُضاف إليها.
يُذكر أن الباحثين فحصوا إمكانيةَ هضمِ المركب الجديد بواسطةِ إنزيمات المعدةِ فكانت عمليةُ الهضمِ كفيلةً بتحرير جزيئات الحديد وتحويلِها إلى شوارد الحديد سهلةِ الامتصاص والتي انتقلت بسرعةٍ إلى الدم. كما اختبروا تراكمَ هذه اللُّييفات البروتينية في أعضاء الجسم فلم يجدوا لها حتى الآن آثاراً جانبيةً تُذكر، خاصةً وأنّهم كانوا قلقين من التشابهُ الطفيف بين بنيَتِها وبنيةِ بروتينات الأميلويد Amyloid التي تتراكم في الدماغِ مسبّبةً الآلزهايمر، ولكن تلك المخاوف قوبِلت بنجاح وتمامِ عمليةِ الهضم دون أي تغيّراتٍ عضويةٍ ملحوظة.
يأمل العلماءُ أن يكون هذا المكمل الجديد بديلاً جيّداً للأشخاصِ الذين يعيشون في الدول الفقيرة خاصةً في ضوءِ ما يتميّزُ به من انخفاضِ الكلفةِ وتوافرِ المكونات اللازمة لإنتاجِه..
التعليقات