من منا إذا أراد أن يمدح فتاة صغيرة لم يقل لها انت أميرة؟ من منا لم يشاهد فتاة صغيرة من عائلته أو محيطه لا تحلم بأن تكون أميرة؟ لكن هل سبق و تساءلنا عن التعريف المشاع للأميرة؟ عيون كبيرة، خصر نحيل و فساتين أسطورية في كل مكان .. إنها أميرة ديزني التي تؤثر في عقول الأطفال و هم يكبرون ...
خلال السنوات الماضية كان هناك نقاش فلسفي حول تأثير أميرات ديزني السلبي على الفتيات الصغيرات و توقعاتهن حول مستقبلهن، تناول هذا النقاش الصعوبات التي ممكن أن تتعرض لها الأمهات و الآباء في تربية بناتهم المغرمات بأميرات ديزني إبتداءا من الثقة بالنفس إلى التصور الذاتي للجسد الذي ممكن أن يؤدي إلى إضطرابات الأكل إلى الإدمان على شراء كل ما يتعلق بهذه الأميرات ... حتى أضحت الثقافة السائدة للمرأة أن قيمتها مقرونة بجمالها و جسدها لا بأخلاقها و علمها.
في سندريلا، الرسالة الأبرز هي لا يهم العمل أو بذل الجهد، يكفي أن تكوني جميلة لتنالي ما تريدين
في الأميرة و الوحش، لا أهمية لذكاء المرأة و كل ما عليها أن تلبي حاجات الرجل فحسب ...
كل هذه القصص التي يقرأها الفتيات أو يشاهدنها لا تنتج فتيات قويات، واعيات، مثقفات و مستقلات...
كتبت الصحفية "بيجي اورنستين" في كتابها "سندريلا أكلت إبنتي" لتوعية نفسها و الأهالي الآخرين عن كيفية تربية الفتيات في عالم أميرات ديزني و بدأت النقاش حول تأثير ديزني على الفتيات الصغيرات.
مما لا يغيب على أحد أن شخصيات ديزني يجب أن تكون فتاة شابة جميلة، نحيلة و طويلة تسعى فقط إلى إيجاد الرجل المناسب دون أي طموح آخر فديزني هنا تحدد مقاييس الجمال و الأطر التي يجب ألا تتجاوزها الفتاة .. فهي لا تعلمها أن تكون مستقلة، ناجحة و محبة للخير ...بل تصورها دائما بأنها بحاجة لمن يرعاها لتنجو و بأنها دائما في خطر.
ترسيخ فكرة أن الفتاة دائما في خطر و أن الأمير هو من سيأتي لمساعدتها قادرة على تنشئة جيل من الفتيات يفتقدن للشجاعة والإستقلالية التي لن تتحقق الا بقدوم الأمير أو بالزواج في الحياة الواقعية و أن كل أحلامهن لن تتحقق الا بعد الزواج و أنهن عاجزات على تحقيق أحلامهن أو النجاة من دون وجود الأمير ...
يقسم الباحثون أفلام أميرات ديزني إلى ثلاثة مراحل من حيث المضمون و التسلسل الزمني : المرحلة الأولى مرحلة سنو وايت و سندريلا ذات الصورة النمطية للمرأة الضعيفة السلبية و المظلومة غالبا التي تنتظر الرجل ليغير حالها مع وجود الحب الحالم و الغير واقعي من أول نظرة و الحياة السعيدة الأبدية التي هي غير موجودة بالمطلق بل علينا السعي جديا من أجلها ..
المرحلة الثانية مرحلة الحورية الصغيرة و بوكاهنتس التي كانت تختلف قليلا عن المرحلة الأولى بأن البطلة التي كانت تتمرد على أهلها لترتبط بالرجل الذي تحب لكنها مثلا في الحورية الصغيرة التي رضيت أن تضحي بصوتها حتى تحظى بلقاء الرجل الذي أحبته و أحبها ذلك الرجل لشكلها لا لعقلها أو شخصيتها.
أما المرحلة الثالثة الأميرة و الضفدع و Frozen فأهم ما فيها أنها حافظت على الصورة النمطية للجمال و شكل الجسد المثالي ناهيك عن فكرة النظام الملكي و الأميرة و هنا نصل إلى موضوع النظام الملكي أو الإقطاعي المتأصل و منه أن البعض يولدن من العوائل المالكة و يصبحن أميرات يملكن كل شيء حتى الجمال و الأغلبية عامة الشعب الذين يخدمون الأميرة وتتفضل هي عليهم فإذا أردنا أن نمدح فتاة نقول مثل الأميرة فالمال و الجاه بالوراثة بدون أي جهد أو تعب و التعليم و العمل الجاد غير مهمين. فهل نلاحظ هذا الكم الهائل من الرسائل الإجتماعية السلبية التي يكبر عليها الفتيات و التي ستشكل وعيهن و هن يكبرن ...
لا يتوقف تأثير أميرات أو شخصيات ديزني عامة هنا على المستوى الجمالي أو الثقافي بل يتعداه إلى أن الوعي الإستهلاكي ... ممكن لأي شخص اليوم تصفح الانستغرام أو محلات اللعب أو محلات الملابس أو حتى الأحذية ليلاحظ غزو أميرات ديزني على المنتجات بإختلاف أنواعها و أن الفتيات يتنافسن لشراء أحدث منتجات ديزني إلى أن يصبح إدمان ...
في دراسة قامت بها جامعة "بريغهام يونغ" تحت إسم "جميلة كأميرة" في بريطانيا سنة 2016 على 198 طفل تحت سن الست سنوات تعرضو لأميرات ديزني و كيف تأثرو بها و تفاعلوا معها من ناحية صورة الجسد و الصورة النمطية للذكر و الأنثى، كانت النتيجة أن معظمهم قد تأثر سلوكهم الاستهلاكي في شراء الألعاب و متعلقات الأطفال التابعة لأميرات ديزني ، و فضلو اللعب بها على ألعابهم الأخرى، ناهيك عن الصورة النمطية التي أصبحت سائدة لديهم عن الرجل و المرأة و دور كل منهم في المجتمع.
لا بد و أن مر علينا العديد من الأطفال الذين يغنون let it go أغنية فيلم Frozen الذي تم عرضه في 2013 و حطم الأرقام القياسية في شباك المبيعات ليصل إلى 1,2 بليون دولار ليكون ضمن أكثر 5 أفلام مبيعا في التاريخ و أعلى فيلم رسوم متحركة مبيعا على الإطلاق، هذا الفيلم الذي بنت عليه إمبراطورية "هاسبرو" للألعاب أكثر من 500 مليون دولار لتشكل الوعي الإستهلاكي لدى الأطفال لتصل إلى الأكواب التي يشربون بها بل و حتى ملابسهم الداخلية.
لا شك أننا كنا و لازلنا من محبي شخصيات ديزني و أنا كذلك كنت و لازلت و لكن لم يأثر حبي لشخصية ما إلى حد محاولة تقليد الشخصية أو الإدمان بها. كما أن وجود الانترنيت اليوم و سهولة الإبحار عليها من طرف الأطفال و إستغلال شركات ألعاب الأطفال و الملابس لهذا التأثير ساهم في هذا الإدمان الغير واعي.
السؤال هنا: هل يمكن عزل الأطفال عن هذا التأثير؟ أم تكفي متابعتهم و توجيههم ليقل الأثر السلبي عليهم؟
التعليقات