لم أحب يوما مشاهدة مباريات كرة القدم ولا تشجيع أي فريق، بل لطالما إعتبرتها مضيعة للوقت. لكن في أحد الأيام أصر صديق لي على أن أرافقه لمشاهدة إحدى المباريات المهمة، ورغم عدم معرفتي بأي من أسماء الفريقين قبل هذا اليوم إلا أنني وجدت نفسي أشجع بحماس الفريق الذي يشجعه الناس من حولي، مما دفعني للتفكير في طريقة تأثير الجمهور من حولك على عقلك ووعيك وطريقة تفكيرك.
إن الفرد عندما ينضم إلى جماعة أو جمهور ما تطرأ عليه تغيرات معينة ويمتلك صفات لم يكن يمتلكها وهو بمفرده، فعقله الواعي يصبح في أضعف حالاته مقابل العقل الجمعي وكذلك عواطفه تصبح مرتبطة بعواطف الجمهور من حوله، ويصبح غير متحمل للمسؤولية ولا يخشى العواقب، وقد تصدر منه تصرفات يستحيل أن تصدر منه وهو بمفرده.
إن الجمهور كائن عاطفي بدرجة كبيرة، فالجماهير تتميز بكونها سريعة التأثر وسريعة التصديق، وهم يميلون إلى التعصب والإستبدادية ولا يتقبلون النقد، كما أنهم يتأثرون بالعاطفة والإثارة وليس بالمنطق، فأي محاولة لإقناع الجماهير بالمنطق ستبوء بالفشل، ولذلك نجد كثيرا من الجماهير يتفاعلون مع الإشاعات والأخبار المثيرة بغض النظر عن مدى مصداقيتها ومنطقيتها، ولذلك يلقى أصحاب النظريات الغريبة ونظريات المؤامرات الكونية رواجا كبيرا لدى الجماهير حتى وإن ثبت زيفهم وتدليسهم، وقديما قالوا "خالف تعرف" في إشارة إلى ميل الناس لتصديق الأفكار الغريبة والمثيرة حتى وإن كانت مجرد هراء.
لكل جمهور ستجد أن هناك قائدا أو عنصر محرك. و يميل الناس إلى القائد الذي يمتاز بالقوة والحزم، أيضا لابد للقائد أن يمتلك مهارة الخطابة التي سيتمكن من خلالها من مخاطبة عواطف الجمهور، وأنا شخصيا لطالما إنبهرت بسحر الكلمات وقدرتها على التأثير، فكثيرا ما أحببت الإلقاء أمام الجمهور وأمام أساتذتي في الجامعة، وفي هذا السياق أذكر قصة نابليون بونابرت الذي ذكر عنه أن أسلوبه في الخطابة والإلقاء كان يولد لدى الجمهور رغبة في الإستماع له وإطاعة أوامره.
إن التأثير الحقيقي على الجماهير ينتج من تغيير أفكار هذه الجماهير، وتغيير الأفكار يتم من خلال 3 أساليب هم التبسيط والخيال والتكرار. فالقادة والمؤثرون ورواد التغيير غالبا ما يملكون أفكارا معقدة، ولإيصالها للجمهور لابد لهم من عرضها بطرق مبسطة يمكن لعامة الناس فهمها. أيضا لابد من إستخدام الخيال لإيصال الأفكار، فإذا أخبرتك بوفاة 20 شخصا في حادث سيارة، كان أحدهم يسمى فلان ، وقد تخرج من الجامعة قبل فترة وجيزة وأريتك صورته، فستجد نفسك تلقائيا تتعاطف مع هذا الشخص فقط لكونك عرفت بعض التفاصيل عنه، وهذا ما دفع كثير من الناس من التعاطف مع جورج فلويد في أمريكا مع أنهم ربما لا يتعاطفون مع المئات من الضحايا الذين يموتون يوميا بسبب الحروب أو المجاعات. كذلك فإن إستراتيجية التكرار تستخدم بكثرة للتأثير على الجماهير، ولهذا نجد القادة دائما ما يستخدمون الشعارات الرنانة التي يسهل على الناس تذكرها ويكررونها، ونجد هذه الإستراتيجية تستخدم بكثرة في الإعلام فتجد غالبية الإعلاميين يناقشون نفس الموضوع بنفس الطريقة في نفس الوقت، وتسمى هذه الإستراتيجية في الإعلام بإسم البروباجاندا، وتستخدم لتوجيه الرأي العام لشيئ معين.
في رأيك، كيف يمكننا التخلص من تأثير العقل الجمعي للمجتمعات المحيطة بنا؟ و لماذا نجد كثيرا من رواد الإصلاح غير قادرين على التأثير على الجماهير بشكل فعال وطويل الأمد؟
التعليقات