الكتابة الفعّالة في زمن التشتت: كيف تلخص وتختصر لمواكبة جمهور يعاني من قصر الانتباه؟

بالضبط من المهم أن يكون الفرد على سجيته وهو يكتب دون الاهتمام بأي شيء آخر دون الكتابة تجنبًا لتشتت التفكير، وفي جميع الأحوال سيتم عمل تدقيق شامل للملخص ككل.

بالفعل هذا الأمر يُحدث فرقًا ملحوظًا في النتيجة، إذ إن القراءة التمهيدية السريعة تعطي شعورًا خاصًا للفرد بأنه قد قرأ هذا الموضوع من قبل ويعلم عنه الكثير، وهي أيضًا تزيد من تركيزه أثناء القراءة للمرة الثانية وتجعله ينتبه لكل جزء في الموضوع مع القدرة على ربط المعلومات مع بعضها وترسيخها في الذاكرة، ومن هنا تتكون لديه فكرة شاملة عنه، وعادة ما ينصح المعلمون طلابهم بالقراءة السريعة للدروس حتى دون فهم كامل لها قبل البدء في قراءتها بتمعن واستذكارها، وهذا يعود بفوائد عظيمة، ويزيد من استيعابهم للمادة العلمية إلى حد كبير.

 ماذا عن انتاج محتوى مقاطع الفيديو التي غالبا ما تنسب منه دون أن تكمله بسبب كثرة التشعب في المحتوى؟

من متابعتي لمقدمي محتوى مختلفين أجدهم يقومون بنفس الأمر وتقسيم الفيديو ليظهر في شريط الفيديو كل شيء من مقدمة والموضوع والحلول المقترحة وتكون ظاهرة وواضحة فور ضغطك عليها تذهب للجزء الذي تريده من الفيديو، ولكن لا أعلم لماذا لا يفعل أغلب مقدمي المحتوى هذا، ربما لزيادة نسبة المشاهدة وجعل المشاهد منخرط في الفيديو لأكبر وقت ممكن.

بأن ما يقومون به هو تشعب وحشو لا فائدة منه وذلك راجع في الأغلب لأنهم يكتبون بعفوية وطلاقة

لا أعتقد مُطلقًا أن الاسترسال في الحشو والتشعب يرجع إلى العفوية والطلاقة عند الكاتب، إن هذا الكاتب سيظل يسترسل رغمًا عنه ولن يتمكن من تركيز المحتوى، لأنه لم يصل بعد إلى لُبِّ فكرة المحتوى، لم يهضمه ولم يتعمق فيه، فلن يستطع أن يخرج للجمهور بالجوهر في محتوى موجز، ومن الشائع أن مثل هذا الكاتب عندما يُطلَب منه محتوى قصير في دقيقة أو خمس دقائق، سيعتقد أن عملية البحث ستكون قصيرة أيضًا لقِصَر المحتوى، فيخرج بمحتوى قصير سطحي غير جذاب ومكرر أو يشوبه الحشو والسرد. والحل أن يتمرس الكاتب على مهارة البحث المعمق، لأننا قلنا أن تركيز المحتوى هو مهارة لن يكتسبها إلى بعد بحث معمق وتَشرُّب للفكرة، ثم يتمرس على كتابة محتوى أقرب للقصير، ثم يعود للفكرة مجددا ويعيد تركيزها وتلخيصها حتى يصل إلى انتخاب أفضل فكرة موجزة يصلح تقديمها للجمهور.

أعتقد أن استعمال أداة النفي (لا) والتأكيد على مقولتك يلزمه أن يكون راجع إلى إحصائية دقيقة عزيزتي، أعتقد أن القارئ الذي يقرأ المقالات الطويلة لا زال موجودا بدليل وجود العديد من المنصات التي لازالت تقدم له محتوى مناسب. المشكلة من هذه الزاوية، تدور حول كيفية تحفيزه إلى اكمال النص. نلحظ أن هناك دوريات فنية، أو ثقافية، تكون أكثر استقطابا بحيث تقول للقارئ تصريحا أو تلميحا؛ أنا أقدم لك نص كبير جدا، سواء كنت ترغب في قراءته أولا. كما أن التحفيز له دور كبير فعلا، مثلا، في قراءة الكتب، أصبح هناك ميل واضح للترويج إلى الترجمات الكاملة للأعمال الأدبية الكبيرة، أو العلمية حتى، والتي تتخطى الألف صفحة أو تقاربها. في كتب التنمية البشرية، يهدر العديد من القراء ساعات كثيرة وثمينة في قراءة مجلد من 600 أو 700 صفحا مدفوعا بوعد زائف حول ما سوف يعثر عليه.

هذا بالنسبة للقارئ الذي باله طويل، أما عدم وجود هذا القارئ أصلا، فهذه مشكلة أخرى، وعلاجها يصعب ويأخذ أكثر من مسار. على كل حال، هناك مقترحات أخرى، فالملاحظ اليوم، أن أغلب الصحف الرقمية الكبرى، والمدونات تميل إلى إعداد ملفات، يكون كل ملف حاوي لفصوله في صورة مقالات وجيزة، ويُترك للقارئ الخيار بالكامل، في اختيار قراءة جزء، أو كل المحتوى المقدم عبر هذا الملف.

مثلا، يتم تقديم ملف فيه مراجعة حول فيلم ما، من خلال وضع روابط لمراجعات مختلفة، كل واحدة منها تسلط الضوء، على سيرة مخرج العمل، أو تلقي المجتمع النقدي والجمهوري للعمل، الإشارة إلى الأزياء والديكور، مقالة أخرى تحتفي بالأماكن التي جرى بها تصوير العمل، وأخرى بالتصوير السينمائي، وواحدة عن الإضاءة، مقالة عن الكتابة السينمائية، وربما مقالة أخرى عن العلاقة بين العرض السينمائي والنص الروائي الذي اقتبس عنه. عادة لا يزيد عن عشرة أبواب داخلية في الملف تحيل إلى مقالات أكثر تفصيلا، وهي مقالات تكون متصلة ومنفصلة في آن. يمكن إدراج مراجعة كاملة أيضا وسريعة كمقالة مستقلة لمن لا يريد الخوض في التفاصيل الفنية أو التقنية أو النقدية.

ملاحظة أخيرة، أعتقد أنك تشرحين تجربتك الشخصية، فلا تحاولين تعميمها خاصة وأن في عدد من مساهماتك على حسوب لاحظت أنك تلقين الأحكام جزافا، ربما، وهذا مجرد تخمين، أنك إما تعانين أصلا من صعوبة التركيز أثناء قراءة نص طويل، أو تعانين من أجل العثور على قراء لنصوصك التي ترغبين أن تكون طويلة بما يكفي لشرح أو تقديم وجهة نظرك.

مع ذلك .. أنا متفق تماما أن هذا الجمهور، المشتت دائما، والذي أصلا لا يملك الوقت لقراءة نص قصير، بل يعتمد على المحتوى السمعي والبصري، أنا متفق أنه أصبح هو الجمهور السائد اليوم، ولا يوجد حلول جذرية في الواقع عدا خيارين وربما هناك ثالث لا أتذكره؛ إما النخبوية والاستقطاب، وإما التعديل على المحتوى الذي نقدمه ليتناسب مع الطرائق الجديدة في تلقي المحتوى.