بقدر ما تمثل الكتابة شغف وحماس للكاتب، بقدر ماهي إجهاد للعقل والروح عندما يحاول ان يثبُت على مفردات معانيه، وقد يستغرق الكاتب اوقاتا في تشكيل نغمات حروفه، ولكن مع ذلك لا يشعر لا بالوقت ولا بالجهد المبذول، وعبر عدد من مساهمات التي شاركتها معكم عبر هذا الفضاء المحترم، أكدت على عبارة انه لا يوجد كاتب واحد راضي عن ما يكتبه ولن يكون كذلك، فالثغرات التي يلاحظها قد لا ينتبه لها القارئ ولو أعاد قراءة النص 5 مرات، لهذا  كم من مرة نعدل فيها كلماتنا ؟ ألم يراودنا يوما إحساس بأننا لو استمرينا في ذلك سنصبح متحذلقين لغوي بسبب فوبيا التعديل وتصحيح الاخطاء؟

أنا من الأشخاص الذين يولون أهمية لمسألة التعديل وأراه يقع في نفس الأهمية التي لابد أن يوليها الكاتب للكتابة، مسألة التعديل تمكننا من انعاش الموضوع أسلوبا ومضمونا وعبر إعادة القراءة قد تتولد لدينا أفكارًا مميزة لم تكن لتراودنا حتى أثناء تصميم للفكرة المبدئية للنص.

صراحة لكثرة التعديلات التي أقيمها على المحتوى الذي أكتبه، أحيانا أشمئز من الأخطاء التي أرتكبها، قد أضع القلم جانبا لمدة ثلاثة ايام وأعود إليه وبعد العودة أقيم نقدا ضروسا لهذه النفس، فليس عدلا أن يكون الإنسان ذو طباع نافذة يرى الأشياء التي تدور من حوله بنظرة مختلفة وينتقدها، وعندما يتعلق الأمر بنفسه يقيم لها حفلة شواء ولا يحاسبها على ما ارتكبته، لكن أحيانا أشعر بأنني قد أكون الشخص الوحيد الذي يقضي وقتا أطول في تعديل ما يكتبه عنه ومع ذلك ليس راضيا، إلا أنني فرحت عندما وجدت كتابا عالمين كثر من اعتبروا التعديل مسألة عادية، تخيلوا الكاتب همنغواي أعاد كتابة أخر صفحة من كتابه " في وداع للسلاح" تسعا وثلاثين مرة قبل أن يرضى عنها، كما استغربتم مثلي من عدد هذه المرات قد استغرب الصحفي من إجابته وسأله مرة أخرى "لما استدعى لكل هذا التعديل"، فكانت إجابته :" أنا لا أكتب بسهولة ولا بسرعة. مسودتي الأولى كانت تحوي عددًا قليلًا من العناصر التي تستحق البقاء. علي البحث عنها وإيجادها لكي أبني عليها، وألقي جانبًا بالأجزاء التي لا تعمل.."

ولكن الجميل أن الكاتب هيلين دنمور قد وجد حلا للمسألة التعديل المتكرر، قد تتساءلون ما هو؟ ، لكون أغلبيتنا نريد أن يقدم لنا حلا جذريا بدون أن نتقبل مشاكلنا كما هي ونقوم بمواجهتها، يقول هيلين: "اقرأ مرة أخرى، اكتب مرة أخرى، اقرأ مرة أخرى، اكتب مرة أخرى. إذا لم ينفع هذا مع نصك، قم برميه في سلّة المهملات. ستشعر بشعور لطيف، أنت لا تريد أن تظل محاطًا بأجساد القصائد والقصص الميّتة التي تملك كل شيء، عدا الحياة"، بمعنى الحل يكون أن تترك التعديل والنص بالكامل خلفك ولا تلتف إليهما، وسيصاحبك شعور ممتاز بوضعك النص في سلة المهملات.

وأنا أنتقل بين تجارب الكُتاب في هذا الموضوع، استفدت كثيرا حينا واستغربت أحيانا اخرى في كيفية تعاملهم مع نصوصهم، ولكن مقولة واحدة جعلتني أتعجب حاولت أن أجد مقصود الكاتب الانجليزي صمويل جونسون فلم أتحصل عليه لحد الساعة، اذ يقول: :"اقرأ كل التراكيب التي قمت بكتابتها، حين تقع عينك على تركيب لا بأس به، احذفه فورا"، هل كلمة "لابأس به" هنا يقصد بها تركيب دون المستوى؟

ماذا عنك، كيف ترى مسألة تعديل النصوص ؟ شاركنا تجربتك في الموضوع.