قال أنيس منصور في كتابه (لو جاء نوح):
أذكر أنني وقفت في إشارة المرور وتصادف وقوف راقصة معروفة إلى جواري.
قالت لي: ازيك.
قلت: الله يسلمك
قالت: مش والنبي أحسن
قلت: ما هو
قالت: الرقص
قلت: والله أحسن. هز الوسط أفضل كثيراً من هز القيم. فالقيم اشترت هذه السيارة المتواضعة وأنت هذه السيارة الفاخرة.ولكني أصالح نفسي على نفسي وأقول: وهل كنت أصلح راقصًا؟
قالت: طبعا مينفعش
قلت: ولكنك أنت أيضًا.
انتهى موقف الكاتب ونلمح هنا السخرية من وضع الحياة المقلوب لدينا! هز الوسط يُربح أكثر من هز القيم!!! ورأيي هنا من رأي الكاتب؛ إذ التفاهة تعود على صاحبها بالنفع أكثر مما يعود العمل النافع الجليل على صاحبه. أرى أن ذلك صفات الأمم المتجهة إلى الزوال على عكس مثلاً الأمم الغربية الحية التي تقدر العقول المنتجة المفكرة في شتى نواحي الحياة. فنجد مثلاً دولا عربية تُعلي من شأن مطربي المهرجانات وتمنحهم جوائز مالية ضخمة فيما لا نسمع عن تقدير لدور المفكرين الجادين أو العلماء. برأيي أن الوضع لدينا مقلوب ويجب تصحيحه.
ناقشت ذلك الموقف المثير مع الزملاء فأحدهم أثارني برأيه الطريف فقال لي:
هذه هي الحياة وطبيعتها وهي عادلة والوضع معتدل غير مقلوب. فشهرة الراقصة أو حتى لاعب الكرة الطاغية والأموال الكثيرة التي يجنونها بما لا يقارن مثلها بعالم أو اديب كبير صاحب رأي وقيم هي شهرة ستنقطع بمجرد الموت؛ فشهرتهم شهرة كاذبة. فقاعة ستختفي سريعاً. هذا هو مكسبهم؛ ولن يذكرهم أحد بعد الرحيل. ثم إنك ترى فقط هذا الفصل من قصة الحياة ولا ترى الفصل الأخير حيث تعتدل الأمور وتوضع في نصابها الصحيح.
أما العالِم مثلا فسيخلد بعد موته. كذلك فالعالِم يعمل في صمت فلا يعرفه الناس أو العامة ولكن يترك من خلفه انجازات يذكره به الناس إلى ما شاء الله من السنين. ثم إن شعور الناس حين تذكر صاحب القيم هو شعور الإجلال والتقديس أما شعورهم تجاه لاعب الكرة أو الراقصة فشعور من يرى بهلوان يسليه أو يزيل عنه همومه ساعة من الزمان فحسب.
كيف ترون الأوضاع لدينا؟ ما رأيكم في كلتا وجهتي النظر؟
التعليقات