و من غرائب الحداثة أيضا، أنها تريد إقناعنا بأن الانسان الحديث إنسان كامل العقل، ذو قدرات جد متقدمة عن أي عقل عرفه أسلافنا من قبل، ما يبرر تفوقه ومركزيته الفائقة عن بقية النوع البشري والكائنات الأخرى.

يبين لنا دين برنيت من خلال كتابه المخ الأبله، أن أغلب الوظائف التي يقوم بها مخ الإنسان اليوم هي وظائف بدائية تماما لا تختلف أبدا عن تلك التي عرفتها البشرية قبل الحضارة، ويستدل على أن الإنسان بدون مخه البدائي لن يتذكر أساسات الحفاظ على النفس مثل موعد الطعام أو حماية نفسه من المفترسات، ولا أن السير بجانب المنحدرات قد يكون مهلكا. وعلى ذلك فان وجوده حتمي لاستمرار البشر وبقائهم، مهما تقدموا وتطوروا.

يقسم المؤلف المخ البشري إلى قسمين هما القسم البدائي الذي لا يمكن أن ننكره أو نطوره أبدا لأنه جزء من شيفرة بقاءنا، وقسم آخر هو القشرة المخية الحديثة التي تكونت بفعل التطور والوعي وصقل المهارات الفكرية والتعلم، وهي المسؤولة عن العلوم والآداب والتحضر الذي نراه.

وهذا بالنسبة للكاتب يفسر لنا الكثير من الأشياء، منها لماذا نخاف مع أننا في أمان؟ لماذا مخنا رغم أنه متطور مليء بالفوضى؟ لماذا ننام ونحلم؟ لماذا نتذكر؟ ...الخ ببساطة لأن المخ البشري مبني على الصراع بين مخ قديم متحكم ببدائيته ومخ جديد يريد أن يفرض تحكمه أيضا، لكن الغريب أن المخ البدائي هو الأهم لأنه الحامي والدافع للتقدم والبقاء رغم أنه ليس مرنا وغير قابل للتغير بسهولة إلا أنه هو الذي يحمل كل مبادئ الحياة.

في رأيك هل كانت البشرية لتتطور بالعقل الفوضوي البدائي فقط، وهل تؤمن بالمركزية الإنسانية التي تقول بأن الإنسان يجب أن يحكم الطبيعة لأنه متميز بالعقل عن باقي الكائنات؟ هل الكائنات الأخرى تملك عقلا بدائيا أيضا أم أن المخ خاصية بشرية؟