منذ أن وعيت الدنيا وبدأ حب القراءة يتكون لدي وأنا أعلم أن على القراء أن يجهدوا أنفسهم في فهم الكاتب وأن لا يستلقوا مستريحين على أسرتهم وينتظرون من زبدة فكر الكاتب أن تصل إلى أدمغتهم في غير عناء منهم أو طلب استجلاء حقيقة ما يرمي إليه الكاتب. اعتدت على هذه الفكرة وأنزلتها منازل المسلمات التي لا تقبل الجدل. وقد عودني ذلك مطالعتي للعقاد ولأسلوبه الذي أحبه وإن كان يراه البعض جافاً يفلق الدماغ كما يقولون.

غير أني اصطدمت بما قاله الأستاذ أنيس منصور رحمه الله ورأيه في علاقة القارئ بالكاتب! فيقول في كتابه" قل لي يا أستاذ أنيس": كنت ألقي قصيدة من نظمي في ذكرى المولد النبوي. كان بين الحاضرين الشيخ حسن البنا. بعد أن ألقيتها سألني في أبوة: وأنت يا ولدي ماذا تدرس؟ قلت له متحمسا: طالب في قسم الفلسفة. فقال: هذا واضح... ولكن لا تنسى يا ولدي أن هؤلاء الناس بسطاء...فهم اعتادوا على السباحة في القنوات الصغيرة الضحلة، فلا ترغمهم أنت على السباحة في المحيط!

يستأنف أنيس منصور: وفهمت المعنى. وتوقفت عن نظم الشعر. فالحق مع القارئ... مع المستمع... مع المشاهد.... يجب أن يفهم دون وجع دماغ!

أحقاً يا أستاذ أنيس ما تقول؟! أحقاً وأنت تلميذ العقاد النجيب؟ فأنا قارئ لك و أجلك ولكن لا يعجبني رأيك ولا أطرب لأسلوبك كثيرا! لا أدري حقاً هل اقتناعك هذا مصدره كونك صحفي اولاً قبل أن تكون أديباً ثانياً؟! فقد قرأت للعقاد في أحد كتبه أن العلاقة بين الكاتب والقارئ يجب أن تقوم على بذل الجهد من الطرفين. فكما أن الكاتب يجهد نفسه في القراءة والتثقف فعلى القارئ أن يحاول أن يرقى ويجهد فكره كي يفهم الكاتب.

ويقال أيضاً أن أبا العميثل سأل أبا تمام مستغرباً لما سمع إحدى قصائده، فقال له يا أبا تمام، لم لا تقول ما يفهم؟ فقال: يا أبا العميثل، لم لا تفهم ما يقال؟

والآن أيها الأصدقاء: إلى رأي تميلون؟ وكيف ترون علاقة الكاتب بالقارئ؟ ومن من الكتاب تميلون إلى أساليبهم؟