في هذه اللحظة التي تقرأ فيها كلماتي تلك، شئٌ ما يتحرك في صدرك..يوغله..يشعره بأن ثمة شئ ناقص، تحقيقه ضروري جداً حتى تكتمل الحياة وتكون سعيدة، أجزم لك أنك في هذه اللحظة يا صديقي القارئ تنتظر شئ ما، ربما في المدى القريب كإنتهاء امتحاناتك مثلاً أو ترقية ما في عملك، أو حتى على المدى البعيد كتحقيق الأحلام التي تعمل عليها منذ فترة لا بأس بها.

لعلك تتعجب من تأكدي بأنك تنتظر شيئاً بينما تطالع تلك الكلمات، ولكن دعني أُخبرك عن شئ بسيط..فلتغمض عينيك أولاً وتفكر قليلاً بهدوء، فلتتخيل أن هذا الشئ أو هذه الأشياء التي تنتظرها ليست موجودة، تخيل أنك تمتلكها الآن، أو لست بحاجة لها من الأساس..تخيل نفسك لا تنتظر تحقيق شئ "من أحلامك الكبيرة مثلاً" ..صف لي شعورك حينها..

دعني أتخيل معك وأخبرك بنتيجة تخيلي.

ستكون حينها بلا انتظار، سيخف الضغط من عليك بل سينعدم، وأؤكد لك "ستعيش وكأنك في الجحيم"

لا تتعجب، فببساطة ..الإنسان الذي بلا انتظار لا يكون على قيد الحياة إلا بجسده، الإنتظار هو من يحرك شغفك للوصول إلى ما تريد، يدفع عجلة حياتك لأن تدور فتجعلك تأخذ بأسباب الوصول وتتعب وتجتهد فتكون حياتك حقاً جديرة بأن تعاش.

خبَّرني!..

إن لم تعمل لأجل تلك الترقية كيف سيكون حالك؟ إن لم يتحرَّق قلبك شغفاً لأجل النجاح المتلخص في الأشياء التي تنقصك إلى أين سيكون مآلك؟

دعني أجيب مكانك ..

حياة مملة...راكدة كالموت...سلبية...ممرضة... حياة بلا انتظار...مرتعٌ للأمراض النفسية والأفكار السلبية.

لعلك تظن أنك لو حصلت على كل ما تريد اليوم ستكون حياتك مريحة وفي منتهى السعادة.

عزيزي!.. الراحة لم تخلق في الدنيا أصلاً.

سعادة الدنيا هي فن اختيار المتاعب، وليست العيش بلا متاعب.

ودعنا نذهب في جولة الآن مع المفكر والفيلسوف العظيم مصطفى محمود، الذي لطالما أدهشني بقول الشئ العميق بمنتهى البساطة.

يقول مصطفى محمود في كتابه "المسيخ الدجال" :

أخطر شيء يا صاحبي هو تبسيط المسائل و تلخيص الحياة في نقطة والسعادة في مطلب، يقول الواحد منا لنفسه، لو أني كسبت هذه الورقة اليانصيب لانتهت جميع المشاكل..لو أني تزوجت هذه المرأة لأصبحت أسعد إنسان ..لو أني هاجرت إلى أمريكا لحققت كل أحلامي .. لو أني تخلصت من هذا المرض المزمن الذي ينغص حياتي لصنعت من نفسي رجلاً عظيماً .. لو .. لو .. لو ..

و دائماً تتبسط المسألة في نقطة واحدة و قديماً تصور فرويد تبسيطاً شديداً للنفس الإنسانية فقام بتفسير حوافزها و عقدها و انحرافاتها بالحافز الجنسي، و أخطأ فرويد ..و كان سبب الخطأ أن الحياة لا تقبل التبسيط و أنها نسيج معقد متداخل من عدة عوامل ..و إذا حاولت أن تبسطها فإنك تمزقها في نفس الوقت .."

فذلك التبسيط الذي تحدث عنه مصطفى محمود يجعلك تعتقد بأن الشئ الذي تفقده وتنتظره بداخله السر..سر السعادة..سر النعيم...سر الحياة، ولكنك تغفل عن أن السرَّ يكمن فيك أنت، وأنه باستطاعتك أن تجعل ما ينقصك مصدر عطاء لك لا مصدر حرمان يَشكُّ قلبك بإبر النقص السامة، فكما قال العراب أحمد خالد توفيق :

"نحن لا نحصل على أشياء كاملة، ولكننا نحصل على أشياء تكتمل برضانا".

ودعني أشركك في هذا الموضوع وأسألك سؤالاً يحتاج لصدق:

بخلاف السبب الذي ذكرته،

من وجهة نظرك، كيف نحصل على السعادة في الحياة رغم ما ينقصنا؟ وما هو الشئ الذي تود الوصول إليه وتسعى بكل جهدك في سبيل تحقيقه؟