اتبع شغفك، واعمل فيما تحب؛ لأنك بهذا ستكون أكثر انتاجية، وأكثر استعدادًا لبذل مجهود مضاعف في سبيل فعل ما تحب، على عكس إن كنت تعمل في شيء لا تحبه. 

لماذا لم تتحرك بعد؟ ... لا تعرف ما هو شغفك !!! 

هذه تكون النتيجة التي يصل إليها الكثيرين بعد الاستماع لجمل التحفيز والدعوة إلى اتباع الشغف Follow your passion، حيث أن أغلب الأشخاص لا يُدركون من الأساس ما هو شغفهم، ربما لأن حياتهم كانت تقليدية نوعًا ما، ما بين تدرج في مراحل التعليم المختلفة مع التركيز على المواد التعليمية فقط دون محاولة إثراء العقل أو البدن بشيء آخر، أو قضاء أوقات الفراغ فيما يفعله الجميع من لعب، خروج دون محاولة ممارسة انشطة مختلفة متنوعة لا يتسنى للمرء أن يمارسها أوقات الدراسة أو العمل.

كتاب So Good They Can't Ignore You ناقش هذه القضية باستفاضة، حيث ذكر بأن من يتبنى نظرية اتباع الشغف يكون في الاغلب معجبًا بشيء ما معرفته عنه سطحية، فيكون اعتقاد داخلي بأن هذا هو شغفه المأمول، دون تعمق في تفاصيله لفترة طويلة، واختبار مدى التقبل له بعد هذا التعمق من عدمه. علاوة على الظن السائد بأن من يعمل فيما هو شغف له لن يشعر بالتعب والإرهاق والملل كمن يعمل في شيء لم يختره بل أُجبر على العمل به، أو لا يحبه، ومستمر فيه فقط لأجل لقمة العيش. وهذا بالطبع شيء خيالي، فحتى اولئك الذي يعملون أو يمارسون ما هو شغف بالنسبة إليهم، يتعبون، ويملون، ويضجرون من العمل في أوقات كثيرة. 

حسنًا ... ما هو الشغف إذًا؟ وما الذي يجعل المرء يقول أنا شغوف بهذا ويكون مصيبًا في اعتقاده؟ 

إن الشغف من رأي الكاتب هو من يوفر لصاحبه ثلاث نقاط غاية في الأهمية، ألا وهي: 

  • الإبداع في العمل، وترك البصمة الخاصة بك فيه، فيكون مسموحًا لك القيام بالعمل بالطريقة التي تراها مناسبة، أن تُبدي رأيك، وتضع لمستك الشخصية على مكان العمل، دون تحكمات، أو رؤى مسبقة ومفروضة على العاملين. 
  • التحكم في مجريات العمل من حيث توقيته وطريقة ممارسته ومكان القيام به، فكلما كانت هذه الأمور تتسم بالمرونة كلما كان العمل أكثر راحة للمرء على عكس إن كان العمل يتم بشكل يومي في نفس التوقيت، ونفس المكان، وحتى بنفس الطريقة دون تغيير. 
  • التأثير في المجتمع بما تقوم به، أو وجود رسالة يتضمنها العمل الذي تؤديه حتى وإن كنت تحصل على المال مقابله، فمن يعمل في جمعية خيرية مقابل المال، ويُدرك أن عمله له تأثير على وصول المساعدات والدعم لمن هم فيه حاجة إليه يكون شاعرًا براحة أكثر من ذاك الذي لا قيمة أو تأثير إيجابي من عمله على الآخرين. 

فيرى الكاتب أن الإنسان يكون شغوفًا بالعمل الذي يوفر له هذه الأمور، حتى وإن لم يكن شغفه من البداية. في حين أنه لا يكون مُحبًا للعمل الذي يحرمه من كل هذه النقاط حتى وإن كان شغفًا له في السابق. 

ولكن هل لمهارة الإنسان العملية واحترافيته في العمل تأثير على حبه وشغفه به؟ 

ذكر الكاتب أن هناك دراسة تمت بالفعل على من هم ماهرين في وظائفهم وأعمالهم، سواء كانت وظائف مكتبية، أو في شركات، ومؤسسات، أو حتى حرف يدوية، فيتقنون عملهم بصورة منقطعة النظير. حيث تم سؤالهم إن كانوا شغوفين بأعمالهم تلك أم لا؟ والمفاجئة أن النتيجة كانت في صالح التأكيد على شغفهم بما يعملونه وليس العكس، والأعجب أنهم لم يكونوا شغوفين من البداية بهذه الأعمال من الأساس. 

وهذا ينبهنا إلى أن المرء إن اتقن شيء واحترفه، واستطاع أن يبدع فيه ويكون مؤثرًا، فمع الوقت سيصير شغوفًا بما يفعل وإن لم يكن متحمسًا وشغوفًا به من البداية. 

وانطلق الكاتب من هذه النقطة في شرح ما يرنو إليه عنوان الكتاب، ألا هو تحقيق الحرفية في الأعمال بحيث يكون الإنسان مرئي ومنظور بقدرته وابداعه ومهارته رغمًا عن الجميع، مما يحقق له الشغف من جهة، ويمكنه من الحصول على امتيازات أكبر فيما يعمل. 

وبالعودة إلى ما كنا نتحدث عنه ... الشغف

إن الكتاب يحطم هذا التمثال تمامًا، ويرسخ لفكرة أن الشغف ليس هدف تتوقف الحياة لأجله، بل هو مرحلة سنمر بها في طريقنا كما نمر بكل المراحل، وبالتالي لا يستدعي الأمر أن نتوقف عن فعل أي شيء، أو ترك أعمالنا وحيواتنا في سبيل ايجاد شغفنا الضائع. 

وفي هذا الصدد أذكر نصيحة من محاضر ومؤثر يُدعى (صلاح أبو المجد) كان يتحدث فيها عن نفس الجزئية، فقال فيما معناه:

الإنسان يكون فقيرًا، لا يجد ما يأكل منه، أو يسكن فيه، أو يتزوج به ثم يقول أنا ابحث عن شغفي؟! هذا عته. جد يا صديقي ما يُدر عليك دخلًا تعيش به، وتوفر به احتياجاتك الأساسية وقليلًا من الرفاهية، ثم ابحث كما تحب عن شغفك حينها. 

فنحن لا نمتهن الشغف لنعيش، بل نحن نعمل ونحقق الرفاهية لأنفسنا لنتمكن من ممارسة شغفنا دون قلق من فقر أو ضيق حال فيما بعد. 

ما رأيك الآن يا صديق؟ هل ما زلت ستقف محلك سر بحثًا عن شغفك الضائع؟