"هل يمكن أن تقترحوا لي كتب مفيدة، وروايات ممتعة حتى اقرأها" "مرحبًا أنا مبتديء في القراءة وأريد البدء في الاطلاع على كتب ترفع من مستوايا الفكري واللغوي فهل يمكنكم ترشيح لي أسماء كتب أو روايات تتسم بالقوة الأدبية والمعرفية"
من منا لم يقوم بطرح سؤال شبيه بهذه الأسئلة في المجتمعات الثقافية المتواجد بها في بدايات مشواره مع القراءة، لتنهال عليه قوائم بأسماء كتب متنوعة من شتى بقاع الأرض، فيملأ بها قائمته، ثم يضعها على جنب بحجة الاستفادة منها تاليًا، ويرجع إلى ما كان يفعله، أو يقرأ ما يحب. وقد يقرأ مما رشح له عنوان او اثنين وفقط.
وهذا جعلني أفكر مرات ومرات هل هذه الصيغة من السؤال سليمة؟ هل السعي وراء الحصول على ترشيحات لأسماء كتب مختلفة من رواد الثقافة ومن لهم باع طويل في القراءة والكتب هو الطريقة المثلى للتثقف، والتعلم؟ أم أنه يجب أن نجد طريقنا بأنفسنا، ونقرأ ما نشعر بأنه يُناسب عقولنا وما نبتغي تعلمه؟
وجاءتني الإجابة على طبق من ذهب من شخص أثق في رأيه، وفي علمه، حين رد على سؤالي بإجابة أنارت لي الطريق، حيث قال:
«لا يصح أن تسألي سؤالًا عامًا كهذا؛ يجب أن تُحددي المجال الذي تريدين القراءة فيه، الموضوع الذي تسعين إلى التعرف عليه بشكل أعمق. يُمكنني الآن أن أضع لكِ قائمة طويلة بما أراه مناسبًا وضروري قراءته، ولكن النتيجة قد تكون غير مرضية لكِ، وقد تكون اقتراحاتي غير مناسبة البتة لعقلك، وتفضيلاتك.»
كانت هذه الإجابة كفيلة بجعلي أقرر البحث حول آلية اختياراتنا لما نقرأ، ما تعتمد عليه وما يجب توفره حتى نضمن أن تكون قراءاتنا مناسبة لنا، ومثرية لعقولنا. وفيما يلي النقاط التي رأيت وجوب توفرها أولًا:
لماذا نقرأ؟
إجابة هذا السؤال هي أول ما يجب أن تتوافر بين يدينا قبل أن نسير في طريق القراءة الطويل. لماذا نريد القراءة من الأساس؟
أهي رغبة في التسلية وقضاء فراغنا في شيء نظنه مفيد. أم رغبة في التثقف والمعرفة واكتساب الوعي. ربما يكون لا هذا ولا ذاك، بل رغبة داخلية في اكتساب لقب مثقف وقارئ ما يُكسبنا احترام ومكانة لا بأس بها في بعض الأوساط. ومن الممكن أن يكون لدينا شغف المعرفة، ذاك الذي يجعلك لا تقنع بما وصلت له من علم حول موضوع ما فتسعى للاستزادة والتعرف بشكل أعمق عليه.
أيًا كانت الإجابة فيجب أن تكون متوفرة بين يديك؛ لما سيترتب عليها من أمور، كاختياراتك لما تقرأ، فالشخص الذي يمتلك شغف المعرفة وزيادة الوعي بالتأكيد لن يقرأ نفس ما يقرأه ذاك الذي لا يرنو سوى إلى الحصول على لقب مثقف قارئ وما يصاحبهما من مكانة واحترام في الأوساط المجتمعية المختلفة.
فالأول ستجده يسعى وراء كل ما هو ثمين، وكفيل بجعله يزيد وعيًا وعلماً، أما الثاني فستجده في أغلب الأوقات لا يسعى إلا وراء قراءة أكبر كم من الكتب، وحفظ الآلاف من الاقتباسات لكُتاب يعرف مدى تأثير أسمائهم على المستمعين، حتى وإن لم يقرأ لهم، حتى وإن لم يكن يعرف أين ذكر هذا الاقتباس أو ذاك. فتجده يقرأ التافه من الكتب، مثل الروايات الركيكة البسيطة، أو كتب الشعر العامية وغيرها. هذا بالطبع ليس ديدن الجميع ولكن الأغلب.
إذا فعليك أن تُمسك ورقة وقلم وتخط ما يدفعك إلى القراءة. فكر جيدًا فالإجابة غاية في الأهمية.
ما الذي نبتغي التعرف عليه؟
اصبحت تدرك الآن السبب الذي يجعلك تقرأ. جميل.
عليك الآن التفكر فيما تريد القراءة حوله، ما المجال الذي تشعر بأنه يجذبك إليه، ويجعلك ترغب في الغوص في أعماقه والتعرف عليه بشكل مفصل دقيق.
هل تحب اللغة القوية، والأسلوب المميز الذي يجعلك تشعر بالانتشاء اثناء القراءة؟ ربما يُناسبك قراءة الأعمال الروائية والأدبية والشعرية أكثر من غيرها.
هل تحب قصص التراث، والسابقين وما تحويه من خبرات حياتية ودروس مهمة، ربما يُناسبك قراءة التاريخ وقصص القدماء من العلماء والتابعين وغيرهم بشدة.
هل تحب الوصول للحكمة، والتفكر، والفلسفة بشكل عام، هل تحب العلوم المختلفة من رياضيات، أو أحياء أو غيرها، هل تحب التفقه بشكل أكبر في الأمور الدينية وتفاصيل دينك العظيمة والدقيقة كذلك.
كل مجال من هذا يحتمل ترشيحات كتب مختلفة عن الآخر بالطبع، ولسنا جميعًا نحب جميع المجالات، أو نبتغي القراءة في كل الأمور بنفس الدرجة، ستجد أن كل شخص فينا يحب القراءة في مجال بعينه أكثر من المجالات الأخرى.
أنا كسارة مثلًا أحب القراءة في الأعمال الأدبية ذات اللغة القوية والأسلوب البديع بشدة، كما أحب القراءة في مجالات الصحة النفسية وتربية الأطفال والتعلم حول هذين المجالين بشكل عميق.
صديقة لي تحب القراءة في التاريخ، واخر يحب القراءة في الفلسفة. وبالتالي ستجد أن مكتبة كل منا تمتلأ بالعديد من المواضيع المغايرة بتاتًا للمواضيع في مكتبة الآخر.
هذه النقطة غاية في الأهمية، ولكنها تحتاج منك إلى التجربة أكثر من التفكر، تجرب القراءة في كل مجال من تلك المجالات حتى تجد نفسك في أحدهم.
مبتديء أم خبير
بعدما تُحدد المجال الذي ستقرأ فيه تحتاج إلى التأكد من الدرجة التي أنت عليها في هذا المجال، بمعنى هل أنت تملك بعض المعلومات والتفاصيل التي تساعدك على قراءة مستوى أصعب من الكتب المندرجة تحت هذا المجال، أم أنك مبتدأ تحتاج إلى التدرج من أول درجة صعودًا لمستويات أصعب.
هذه النقطة غاية في الأهمية، لما ستمنحه لك من يسر أو عسر طريق القراءة.
فعلى سبيل المثال إن كنت ترغب القراءة في مجال الصحة النفسية وأنت مبدأ، طلبت من أحدهم أن يُرشح لك كتب فيه دون أن توضح أنك لم تقرأ فيه مسبقًا أو لا تملك أدنى معرفة عنه، قد يُرشح لك كتب تُناقش من لديه معرفة سابقة بالمجال بدرجة، لتجد نفسك تقرأ مصطلحات وأمور لا تفهم عنها شيء، فتشعر بالصعوبة وقد تنفر من القراءة، أو ستجد نفسك تقضي وقتًا أطول في قراءة الكتاب لما ستقوم به من بحث عن كل شيء تشعر بأنك لا تفهمه.
أنت وحدك القادر بالطبع على توضيح المستوى الذي تقف فيه، وبناءً على كلامك ستختلف الترشيحات.
كن دقيقًا في طلبك
هذه النقطة هي التي تدور حول طلبك لترشيح بعض الكتب من أحدهم. ولكن يجدر بي توضيح نقطة مهمة أولًا.
لا يجوز أن تسير في طريق القراءة من أوله لآخره بناءً على ترشيحات الآخرين، تحتاج أن تزور المكتبة من حين لآخر، تُطالع أسماء الكتب المعروضة، تختار ما جذبك من عناوين، تتفحصها بشكل سريع، تقرأ النبذة التي تكون على ظهر الكتاب، تقوم بسيرش سريع على موقع جودريدز عن العنوان الذي تشعر بأنه يُناسبك، تقرأ التقييمات لتقرر إن كان ينُاسبك القراءة فيه أم لا. أن تكتشف طريقك بنفسك، أن تتعلم تحديد ما يُناسبك أو لا ينُاسبك من خلال العنوان وبعض التفاصيل الدقيقة هو امر مهم توافره في القارئ، وينم عن قارئ ذكي مدرك لما يريد الوصول له.
فإن احتجت يومًا للحصول على بعض الترشيحات عليك أن تصيغ سؤالك بشكل دقيق، لا تتركه مفتوحًا لتخمينات البعض. فتكون الصيغة التي يجب أن يكون عليها مشابهة للصيغة التالية
(هل من الممكن أن تقترحوا علي أسماء بعض الكتب في مجال الصحة النفسية، بحيث تُناسب شخص لم يقرأ مسبقًا في هذا المجال ويريد التعرف عليه من البداية تمامًا. على أن تكون لغتها بسيطة نوعًا ما وحجمها ليس ضخمًا كالمجلدات حتى لا يُصاب بالملل من البداية)
هنا تم توضيح المجال الذي تريد الترشيح فيه، ومستوى المعرفة، وحجم الكتاب كذلك. وبهذا ستأتيك الترشيحات مناسبة بدرجة أكبر واشد دقة من تلك التي ستأتي على السؤال العام.
اخبرني الآن ما المجال الذي تُحب القراءة فيه؟ وهل من الممكن أن تمنحني بعض الترشيحات في مجال التاريخ المستوى المبتدأ تمامًا؟
التعليقات