بالرغم من أنّ كتاب مصيدة التشتت للكاتبة فرانسيس بووث يناقش الأثر الذي يتركه العالم الرقمي على حياتنا، إلا أنه يمكننا إخضاع أفكاره لكلّ المشتتات في حياتنا، يأتي الكتاب في مجموعة من الفصول تعالج فكرتين، الأولى التشتت كمشكلة، والثانية الانتباه كعلاج للمشكلة.
راقني ما أسمته بووث بعصر الأسلاك كحقيقة نؤكدها جميعاً، بأنّ حياتنا موصولة بكثير من الأسلاك، تلك التي نراها في العمل والشوارع وفي بيوتنا، لندرك أننا محاطون بالكثير من الأجهزة التي تساهم بزيادة عوامل التشتت.
تبيّن بووث بأننا نقوم بأمور عديدة في ذات الوقت، وهو ما أسمته بالخدعة التي نمارسها على أنفسنا، لماذا نفعل ذلك؟ لأننا نوهم أنفسنا أننا حين ننخرط بالعمل على مهام متعددة فإننا سننجز الكثير من الأمور، الحقيقة الصادمة أنّ انتاجيتنا تقل وسرعتنا تتباطأ ونصبح أكثر كسلاً!، بل إنه يؤثر على علاقاتنا بالآخرين، وعلى صحتنا، وعلى الاختلاء بالذات!، هل تلاحظون ذلك حقاً؟
بواقعية تخبرنا بووث بأنّ التشتت الذي أوقعنا أنفسنا فيه، بدأ لدينا بحسن النيّة، لنصل بعده لمرحلة التفقّد الإجباري، كيف ذلك؟ حسناً.. وفق بووث سنفتح الرسائل في الصباح لإلقاء نظرة، لكننا سنضطر أن نردّ على هذه الرسالة، ونفتح رابطاً في رسالة أخرى، وقد يشدّنا أمر آخر، لتصبح تصرفاتنا قائمة على الاستجابة للآخرين، وحينها ندخل مرحلة الانتقال اللانهائي بين رسالة وأخرى لنفقد السبب الرئيسي الذي من أجله فتحنا الرسائل، فيما بعد تصبح هذه العادة الصغيرة رحلة نحو الإدمان لإضاعة الوقت في القيام بذلك الأمر.. أليس ذلك صحيحاً؟
سبب آخر للتشتت، وهو الرغبة بالتواصل!، وذلك نابع من رغبتنا بالشعور بأننا مهمّون، أو بحاجة الآخرين إلينا، أو حتى وسيلة لنقول بأننا مشغولون!، كطريقة أخرى لنواجه الفراغ الذي قد يواجهنا في حياتنا!.
الأمر لا يتوقف عند هذه الأسباب فقط، بل أيضاً يعالج الفضول لدينا، لأننا نخشى أن يفوتنا شئ!، لذلك نراقب ونتابع تحسباً لحدوث أمرٍ جديد لا نعرفه!.
تنقلنا بووث لرحلة العلاج، حيث يبدأ الحلّ من اتخاذنا لقرار التطهير، ويكون ذلك من خلال الانتباه للآتي:
- إبعاد وسائل التشتت من خلال إغلاق الأجهزة أو البرامج التي تنقضي ساعاتنا ونحن نتصفحها، حتى لو سبّب إغلاقها بشعورنا بالملل، فلنقم بإغلاقها وليس أن نركنها جانباً أو نبعدها.
- حصر أنفسنا بالموعد النهائي، إنه خير علاج لمشكلة التركيز، وحتى نفهم الفكرة دعونا نتخيل بأننا لم نعد نملك لتسليم المهمة إلا 20دقيقة فقط؟ هل في ظلّ ضيق ذلك الوقت سنقوم بأي أمر يدفعنا للتشتت؟ المنطق أن لا نفعل ذلك، بل أن نركّز على إنجاز ما يجب إنجازه قبل أن ينتهي الوقت، وأقرب وصف لذلك قانون باركنسون للعمل، والذي ينصّ على (العمل سيمتد ليشغل كل الوقت المتاح لإتمامه)، فلو خططنا للقيام بالأمر خلال ساعة سنفعله خلال ساعة، ولو خططنا لإنجازه في يوم كامل سنفعله خلال يوم كامل!، لذلك فإنّ تحديد الموعد النهائي مهم لأنه سيساعدنا في أن لا نقوم بمهام مفتوحة المدة.
- تحديد مهام محددة لإنجازها، لنفترضها ثلاث مهام مثلاً، وليكن تركيزنا خلال بداية اليوم على إنجاز هذه المهام أولاً، وبعدها لنقم بأية مهام أخرى، مع الانتباه لجمع المهام المتشابهة معاً.
- النتائج فقط، حين نقوم بإنجاز مهمة فلنقيّمها وفقاً للنتائج التي ترتبت عليها وليس بناء على المدة التي احتجناها لإنجاز المهمة، لماذا نفعل ذلك؟ لأنه ببساطة إن حصرنا أنفسنا في الوقت فقط فقد نصاب بالملل، أو بانخفاض الطاقة و بفقدان التركيز، أثر النتيجة سيكون شغلنا لأننا نريد للنتائج ان تكون مُرضية.
- إغلاق الدائرة، ويتم ذلك بالابتعاد عن الدوائر المفتوحة، بحيث لا ننتقل لمهمة قبل أن ننجز المهمة السابقة، فالدوائر المفتوحة أحد أسباب انخفاض الانتاجية، حيث تؤكد بووث بأنّ أعمالنا ومهامنا عامّة أصبحت مفتوحة الوقت لأننا قادرين على نقل تلك الأعمال معنا من خلال هواتفنا الذكية أو أجهزة المحمول، لذلك فإن رسم الحدود بين الأهداف يمنحنا المساحة للبدء بأهداف جديدة.
- خفض مستوى التوقعات، إننا نتوقع ردود الأفعال، نتوقع قدرتنا على فعل الكثير، نتوقع أننا قادرين على إنهاء كافة الأعمال، فنصبح متطلبين مع أنفسنا وضاغطين عليها، لكننا لو حدّدنا تلك التوقعات وخفضنا سقفها سنجد بأننا مدفوعين لفعل الأمر وفقاً لحاجتنا لفعله.
- مراقبة الساعة، الفخ الذي يقع فيه أغلبنا عبارة (سأتفقد هذا فقط، لن يحتاج مني لأكثر من خمس دقائق)!!، وتنقضي الساعات على غير ما خططنا له، تنصحنا بووث بالالتزام، فإن قلنا أننا سنفعل هذا الأمر فلنحدد مدة لفعله ونلتزم بتلك المدة، حتى وإن حدث في المرّات الأولى انقضاء الوقت دون إنجاز ما أردناه لكن التزامنا بالوقت سيعلّمنا الاستفادة منه المرات القادمة وفعل ما نريده خلال الوقت المحدد لذلك.
ما رأيكم بعد أن استعرضت معكم فكرة الكتاب بأن نناقشه سوياً; أين لاحظتم أنّ الحديث ينطبق عليكم; وهل تظنون رحلة العلاج ممكنة؟ بانتظار آرائكم حول ذلك.
التعليقات