الإجبار على الصواب خير من التخيير، والتخيير خير من الإجبار على الخطأ.

وكثيرًا ما نقطع بالخطأ في الحكم على صواب أمر ما لأجل خطأ الفاعل له في تطبيقه، فالمتجبّر الذي يحكم الناس برأيه، ويسوقهم بعصاه ليس خطؤه في إجباره الناس على بعض الأمور، بل خطؤه أن هذه الأمور التي يجبر الناس عليه خطأ.

والناس وإن كانوا يستوحشون ممن يعسفهم على أمر من الأمور فمردّ ذلك إلى أنهم تبّاعون لأهوائهم وإن غلفوها بأغلفة جميلة تحميهم نقد الناس، بل تجعل الناس ينتظمون في سلكهم، ويدافعون عن مسلكهم

وقد قامت الحياة بجوانبها السياسية والاجتماعية على العسف في بعض الأمور، لكن الناس لا يجدون في ذلك غضاضة؛ لأنهم منتقون، وأحيانًا مسيّرون.

فالانتحار ممنوع في أكثر من 90% من دول العالم، مع أن حياة الإنسان ملك له عند غير المؤمنين بالله.

والأقلية يُجبَرون على حكم الأكثرية ولو كانوا لا يريدونه.

والأكثرية يجبرون على حكم منتخبيهم، وإن كانوا لا يوافقونهم في كثير من القرارات التي يصدرونها.

والطفل لا يريد المدرسة، لكن والديه يجبرونه عليها.

والحكومات تأخذ بتوصيات الأطباء في المسائل الطبية، ويُجبر الناس على امتثالها، وتأخذ بمشورات المهندسين في إنشاءات المباني والطرق دون نظر لرغبات الناس، أو آرائهم.

فتبيّن أن الإجبار في أمور معيّنة بضوابط معيّنة ليست هذه الورقة مجال التفصيل فيها، هو الطريق الأسلم، وهو منهج الإسلام المخالف للحرية المقدسة المبالغ فيها لدى أكثر الناس.

لكن لابد من ضبط ذلك بأن يكون الممارس لهذا الإجبار أهلاً لذلك، وأن يكون قد استفرغ وسعه في البحث والاجتهاد وشاور أهل التقوى وأولي الألباب، وكان مصدر رؤيته مؤيدًا بدلال الوحي الصحيحة الصريحة إن وجدت، فإن غابت أو خفيت فبدلائل العقلية والمقاييس الأخلاقية.

وإذا وقع خطأ في التطبيق بعد تلك الاحترازات والشروط فليس ذلك بأشنع خطأ من آراء الفلاسفة المتقلبة بين زمن وزمن وفيلسوف وآخر.